في يومِ الأربعاءِ حادي عشر المحرم خُلِعَ المَلِكُ النَّاصِرُ بن قلاوون، وكانت أيَّامُه سَنةً واحدةً تَنقُصُ ثلاثةَ أيام، لم يكن له فيها أمرٌ ولا نهيٌ، بل كل ذلك بيَدِ السلطان الملك العادل زين الدين كتبغا المنصوري الذي كان في مُدَّة سلطنة الملك الناصِرِ هو القائِمَ بجميع أمور الدولة، وليس للناصرِ معه تصرفٌ البتة، ثمَّ إنه أخذ في أسباب السُّلطةِ بعد قتل الشجاعيِّ المنافِسِ الأوَّل لكتبغا، ولَمَّا دخل المحرم انقطع في دارِ النيابة وأظهَرَ أنَّه ضعيفُ البَدَنِ، وباطِنُ أمْرِه أنه يريد أن يقَرِّرَ أمورَه في السَّلطنةِ، فخرج إليه الناصِرُ وعاده، فلما كانت فتنةُ المماليك، جلس في صباحِ تلك الليلة بدارِ النيابة وجمَعَ الأمراء وقال لهم: قد انخرق ناموسُ المملكة، والحُرمةُ لا تتِمُّ بسَلطنةِ الناصِرِ لِصِغَرِ سِنِّه، فاتَّفَقوا على خَلعِه وإقامة كتبغا مكانه، وحلفُوا له على ذلك، وقَدِمَ إليه فرس النوبة بالرَّقَبة الملوكية، ورَكِبَ من دار النيابة قبل أذان العصرِ من يوم الأربعاء حادي عشر المحرم، ودخل من باب القلعةِ إلى دار السلطانيَّة، والأمراء مشاةٌ بين يديه حتى جلس على التخت بأبَّهة الملك، وتلقَّب بالملك العادل، ويُذكَرُ أن أصله من التتار من سَبْيِ وَقعةِ حمص الأولى التي كانت في سنة 659 أيَّام الملك الظاهرِ بيبرس بعد وقعة عين جالوت، وكان من الغويرانية، وهم طائفةٌ من التَّتر, فأخذه الملكُ المنصورُ قلاوون وأدَّبَه ثم أعتَقَه، وجعَلَه من جملة مماليكِه، ورقَّاه حتى صار من أكابِرِ أمرائه. وهو من خيارِ الأمراء وأجوَدِهم سيرةً ومَعدلةً، وقصدًا في نصرةِ الإسلامِ.