الموسوعة التاريخية


العام الهجري : 714 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1314
تفاصيل الحدث:

في نصف المحرَّمِ اتَّفَق أنَّه كان للنصارى مجتَمَعٌ بالكنيسة المعَلَّقة بمصر، واستعاروا من قناديلِ الجامِعِ العتيق جملةً، فقام في إنكارِ ذلك الشيخ نور الدين علي بن عبد الوارث البكري (وهو من أعداء شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّة الذين كانوا قد سَعَوا في أذاه، مع أنَّ شيخَ الإسلام شَفَع فيه أيضًا لما طُلب من جهته)، وجمَعَ مِن البكريَّة وغيرِهم خلائِقَ، وتوجَّه إلى المعلقة وهَجَم على النصارى وهم في مجتَمَعِهم وقناديلُهم وشموعُهم تُزهِرُ، فأخرقَ بهم وأطفأ الشموعَ وأنزل القناديلَ، وعاد البكريُّ إلى الجامع، وقصد القومةَ، وجمع البكريُّ الناسَ معه على ذلك، وقصد الإخراقَ بالخطيب، فاختفى منه وتوجَّه إلى الفخر ناظِرِ الجيش وعَرَّفه بما وقع، وأنَّ كريمَ الدين أكرم هو الذي أشار بعاريَّة القناديلِ، فلم يَسَعْه إلَّا موافقَتُه، فلمَّا كان الغَدُ عرَّفَ الفَخرُ السلطانَ بما كان، وعَلِمَ البكري أنَّ ذلك قد كان بإشارة كريم الدين، فسار بجَمعِه إلى القلعة واجتمع بالنائِبِ وأكابر الأمراء، وشَنَّع في القول وبالغَ في الإنكار، وطلب الاجتماعَ بالسلطان، فأحضر السُّلطانُ القضاة والفُقهاءَ وطلب البكريَّ، فذكر البكريُّ من الآيات والأحاديث التي تتضَمَّنُ معاداة النَّصارى، وأخذ يحُطُّ عليهم، ثم أشار إلى السلطانِ بكلامٍ فيه جفاءٌ وغِلظةٌ حتى غَضِبَ منه عند قولِه: أفضَلُ المعروفِ كَلِمةُ حَقٍّ عند سلطان جائر، وأنت وَلَّيت القبطَ المسالمةَ، وحَكَّمْتَهم في دولتك وفي المسلمين، وأضعْتَ أموال المسلمين في العمائِرِ والإطلاقاتِ التي لا تجوز، إلى غير ذلك، فقال السلطانُ له: ويلك! أنا جائِرٌ؟ فقال: نعم! أنت سَلَّطتَ الأقباط على المسلمين، وقَوَّيت دينَهم، فلم يتملَّكِ السلطانُ نفسَه عند ذلك، وأخذ السَّيفَ وهَمَّ بضربه، فأمسك الأميرُ طغاى يده، فالتَفَت السلطان إلى قاضي القضاة زين الدين بن مخلوف، وقال: هكذا يا قاضي يتجَرَّأُ عليَّ؟ أيش يجبُ أفعل به؟ قل لي!، وصاح به، فقال له ابن مخلوف: ما قال شيئًا يُنكَرُ عليه فيه، ولا يجِبُ عليه شيء، فإنه نقل حديثًا صحيحًا، فصرخ السلطانُ فيه وقال: قمْ عني!، فقام مِن فَورِه وخرج، فقال صدر الدين بن المرحل- وكان حاضرًا- لقاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الشافعي: يا مولانا! هذا الرجل تجرَّأ على السلطانِ، وقد قال الله تعالى آمرًا لموسى وهارون حين بعَثَهما إلى فرعون {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} فقال ابن جماعة للسلطان: قد تجرَّأَ ولم تبقَ إلَّا مَراحِمُ مولانا السُّلطان، فانزعج السلطانُ انزعاجًا عظيمًا، ونهض عن الكرسي، وقَصَد ضربَ البكريِّ بالسَّيف، فتقدَّم إليه طغاي وأرغون في بقية الأمراء، وما زالوا به حتى أمسك عنه، وأمر بقَطعِ لسانه، فأخرج البكريُّ إلى الرحبة، وطُرِحَ إلى الأرض، والأميرُ طغاي يشير إليه أن يستغيثَ، فصرخ البكريُّ وقال: أنا في جيرةِ رسول الله، وكررها مرارًا حتى رقَّ له الأمراء، فأشار إليهم طغاي بالشَّفاعة فيه، فنهضوا بأجمَعِهم وما زالوا بالسلطانِ حتى رسم بإطلاقِه وخروجِه مِن مصر، وأنكر الأميرُ أيدمر الخطيري كونَ البكري قوى نفسَه أولًا في مخاطبة السلطان، ثمَّ إنَّه ذل بعد ذلك، ونسب إلى أنَّه لم يكن قيامُه خالصًا لله.