كانت ملطيَّة إقطاعًا للجوبان أطلقها له ملك التتر فاستناب بها رجلًا كرديًّا يقال له مندوه فتعدى وأساء وظلم، وكاتب أهلُها السلطانَ الناصر بن قلاوون وأحبُّوا أن يكونوا من رعيَّتِه، فلمَّا ساروا إليها وأخذوها وفعلوا ما فعلوا فيها جاءها بعد ذلك الجوبان فعمَرها وردَّ إليها خلقًا من الأرمن وغيرِهم، وكان سبَبُ غزو ملطيَّة أن السلطان بعث فداوية من أهل مصياف لقتلِ قرا سنقر، فكان مندوه الكرديُّ يدل على قصاد السلطانِ فأخذ منهم جماعةً، فشق ذلك على السُّلطانِ، وأخذ في العَمَلِ عليه، فبلغه مندوه أنه صار يجني خراجَ ملطية، وكان نائبُها من جهة جوبان يقال له بدر الدين ميزامير بن نور الدين، فخاف من مندوه أن يأخُذَ منه نيابة ملطية، فما زال السلطانُ يتحَيَّل حتى كاتَبَه ميزامير، وقرَّرَ معه أن يسَلِّمَ البلد لعساكره، فجهَّزَ السلطانُ العساكر، وورَّى أنَّها تقصِدُ سيس حتى نزلت بحلب، وسارت العساكِرُ منها مع الأمير تنكز على عينتاب إلى أن وصل الدرنبد، فألبس الجميعَ السلاحَ وسلك الدرنبد إلى أن نزل على ملطية يوم الثلاثاء ثالث عشريه، وحاصرها ثلاثةَ أيام، فاتَّفق الأمير ميزامير مع أعيان ملطية على تسليمها، وخرج في عِدَّة من الأعيان إلى الأمير تنكز، فأمَّنَهم وألبسهم التشاريفَ السلطانيَّةَ المجهَّزة من القاهرة، وأعطى الأميرَ ميزامير سنجقًا- راية- سلطانيًّا، ونودي في العسكر ألا يدخُلَ أحد إلى المدينة، وسار الأمير ميزامير ومعه الأمير بيبرس الحاجب والأمير أركتمر حتى نزل بداره، وقبض على مندوه الكردي، وتكاثر العَسكرُ ودخلوا إلى المدينة ونهبوها، وقتَلوا عِدَّة من أهلها، فشَقَّ ذلك على الأمير تنكز، وركِبَ معه الأمراء، ووقف على الأبواب وأخذ النهوبَ مِن العسكر، ورحل من الغد وهو الرابع عشر من محرم بالعسكر، وترك نائِبَ حلب مقيمًا عليها لهدم أسوارها، ففَرَّ مندوه قبل الدخول إلى الدربند وفات أمرُه، فلما قطعوا الدربند أُحضِرَت الأموال التي نُهِبَت والأسرى، فسُلِّمَ من فيهم من المسلمين إلى أهله، وأُفرِدَ الأرمن، فلما فُتِحَت ملطية سار الأمير قجليس إلى مصر بالبشارة، فقَدِمَ يوم الخميس ثالث صفر، ودُقَّت البشائر بذلك، وتبعه الأمير تنكز بالعساكر- ومعه الأمير ميزامير وولده- حتى نزل عينتاب ثم دابق، فوجد بها تسعة عشر ألف نولٍ تُعمَل الصوف، وتُجلَبُ كُلُّها إلى حلب، ثم سار تنكز، فقَدِمَ دمشق في سادس عشر ربيع الأول، وسير ميزامير وابنه في ثلاثين رجلًا مع العسكر المصري إلى القاهرة فقَدِموا في خامس ربيع الآخر.