اجتمَعَ جماعةٌ من رؤوس النصارى في كنيستِهم وجَمَعوا من بينهم مالًا جزيلًا فدَفَعوه إلى راهبينِ قَدِما عليهما من بلاد الروم، يُحسِنانِ صَنعةَ النِّفطِ، اسم أحدِهما ملاني، والآخر عازر، فعملا كحطًا من نفط، وتلطَّفا حتى عملاه لا يظهَرُ تأثيرُه إلا بعد أربع ساعات وأكثر من ذلك، فوُضِعا في شقوق دكاكين التجَّار بسوق الرجال في عدَّة دكاكين من آخِرِ النهار، بحيث لا يشعُرُ أحَدٌ بهما، وهما في زي المُسلِمينَ، فلما كان في أثناء الليل لم يشعُرِ النَّاسُ إلا والنَّارُ قد عَمِلَت في تلك الدكاكين حتى تعلَّقَت في درابزينات المأذنة الشرقيَّة المتَّجِهة للسوق المذكور، وأحرَقَت الدرابزينات، وجاء نائب السلطنة تنكز والأمراء أمراء الألوف، وصَعِدوا المنارة وهي تشتَعِلُ نارا، واحترسوا عن الجامِعِ فلم ينَلْه شيءٌ من الحريق ولله الحمد والمنة، وأمَّا المئذنة فإنها تفَجَّرت أحجارُها واحترقت السقَّالات التي تدُلُّ السلالم وأعيدَ بناؤها بحجارةٍ جُدُدٍ، وهي المنارة الشرقية التي جاء في الحديثِ أنَّه يَنزِلُ عليها عيسى بن مريم، والمقصودُ أنَّ النصارى بعد ليالٍ عَمَدوا إلى ناحية الجامع من المغرب إلى القيسارية بكمالِها، وبما فيها من الأقواس والعُدَد، وتطاير شَرَرُ النار إلى ما حول القيسارية- السوق الكبير- من الدُّورِ والمساكن والمدارِس، واحترق جانِبٌ من المدرسة الأمينية إلى جانب المدرسة المذكورة وما كان مقصودُهم إلَّا وصول النار إلى مَعبَد المسلمين، فحال اللهُ بينهم وبين ما يرومون، وجاء نائبُ السلطنة والأمراء وحالوا بين الحريقِ والمسجِدِ، جزاهم اللهُ خَيرًا، ولَمَّا تحقق نائِبُ السَّلطنةِ أنَّ هذا مِن فِعلِهم أمَرَ بمَسكِ رؤوس النصارى فأَمسَكَ منهم نحوًا من ستين رجلًا، فأُخِذوا بالمُصادَرات والضَّربِ والعقوبات وأنواع المَثُلاتِ، ثمَّ بعد ذلك صُلِبَ منهم أزيدُ مِن عَشرةٍ على الجمال، وطاف بهم في أرجاءِ البلاد وجَعلوا يتماوتون واحِدًا بعد واحد، ثمَّ أُحرِقوا بالنارِ حتى صاروا رمادًا لَعَنَهم اللهُ.