هو السُّلطانُ المَلِكُ المظَفَّر سيف الدين حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون، تولَّى السلطنةَ بعد قَتْلِ أخيه السلطان الكامل شعبان، وعُمُرُه خمس عشرة سنة، وقد حلف للأمراءِ ألَّا يؤذيَهم وحَلَفوا له على الطاعةِ، لكِنْ لَمَّا كَثُرَ اشتِغالُه في اللَّعِبِ بالحَمامِ وتقريب الأوباش واللعَّابين وغيرِهم من أرباب الملاهي والفساد، أنكر عليه الأمراءُ أكثَرَ مِن مَرَّة، حتى حصل بينه وبينهم جفاءٌ, وعمل السلطان على التدبيرِ لقَتلِ بَعضِهم، وهم كذلك عَمِلوا على تدبير قَتْلِه، فتحادث الأمراءُ فيما بينهم واتفقوا وتواكدوا جميعًا في يوم الخميس تاسِعَ رمضان على الركوبِ في يوم الأحد ثاني عشر، فما ارتفع النهار حتى وقفوا بأجمَعِهم لابسين آلةَ الحرب، عند قُبَّة النصر ومعهم النائِبُ أرقطاي، فأرسل السلطان المظفَّر الرَّسولَ إليهم يستخبِرُه عمَّا يريدونَه منه حتى يفعَلَه لهم، فأعادوا جوابَه أنَّهم لا بُدَّ أن يُسلطِنوا غيره، فقال: ما أموتُ إلَّا على ظَهرِ فَرسي، فقَبَضوا على رسولِه، وهمُّوا بالزحف إليه، فمنعهم الأميرُ أرقطاي النائب، فبادر السلطانُ بالركوب إليهم، وأقام أرغون الكاملي وشيخو في الميسرة، وأقام عِدَّةَ أمراء في الميمنة، وسار بمماليكِه حتى وصل إلى قريبِ قُبَّة النصر، فكان أوَّلَ من تركه الأمير أرغون الكاملي والأمير ملكتمر السعيدي، ثمَّ الأمير شيخو، وأتوا الأمير أرقطاي النائب والأمراء، وبقي السلطانُ في نحو عشرين فارسًا، فبَرَز له الأميرُ بيبغا روس والأمير ألجيبغا، فولى فرَسَه وانهزم عنهم، فأدركوه وأحاطوا به، فتقَدَّمَ إليه بيبغا روس، فضربه السلطانُ بطير، فأخذ الضربةَ بتُرسِه، وحمل عليه بيبغا بالرمح، وتكاثروا عليه حتى قَلَعوه مِن سَرجِه، فكان بيبغا روس هو الذي أرداه، وضرَبَه طنيرق فجرح وجهَه وأصابِعَه، وساروا به على فَرَسٍ إلى تربة آقسنقر الرومي تحت الجبل، وذبَحوه من ساعته قبل العَصرِ، وكانوا لَمَّا أنزلوه وأرادوا ذبحه توسَّل إلى الأمراء، وهو يقول: بالله لا تستعجِلوا على قتلي، وخَلُّوني ساعة، فقالوا: فكيف استعجَلْتَ على قتل الناس، لو صَبَرْتَ عليهم صبَرْنا عليك، وصَعِدَ الأمراء إلى القلعة في يومِهم، ونادوا في القاهرة بالأمانِ والاطمئنان، وباتوا بها ليلةَ الاثنين، وقد اتفقوا على مكاتبةِ الأمير أرغون شاه نائب الشام بما وقع، وأن يأخذوا رأيَه فيمن يقيمونَه سلطانًا، فأصبحوا وقد اجتمع المماليكُ على إقامة حسن بن الناصر محمد بن قلاوون في السلطة، ووقعت بينه وبينهم مُراسَلات، فقَبَض الأمراء على عِدَّةٍ مِن المماليك، ووكلوا الأميرَ طاز بباب حسن، حتى لا يجتَمِعَ به أحد، وغَلَّقوا باب القلعة، وهم بآلة الحرب يومَهم وليلة الثلاثاء، وقَصَد المماليك إقامةَ الفتنة، فخاف الأمراء تأخير السلطة حتى يستشيروا نائِبَ الشام أن يقَعَ مِن المماليك ما لا يُدرَكُ فارِطُه، فوقع اتفاقُهم عند ذلك على حسن بن الناصر محمد بن قلاوون، فتَمَّ أمره، فكانت مُدَّةُ المظَفَّر حاجي سنة وثلاثة أشهر واثني عشر يومًا، وعُمُره نحو عشرينَ سنة، فقام الأمراءُ بسلطنة حسن هذا، وأركبوه بشعار السلطنة في يوم الثلاثاء رابع عشر رمضان، سنة 748، وأجلسوه على تخت الملك بالإيوان، ولَقَّبوه بالملك الناصر سيفِ الدين قمارى، فقال السلطان للأمير أرقطاى نائب السلطة: يا بة! ما اسمي قمارى، إنَّما اسمي حسن، فقال أرقطاى: يا خوند- يا سيد- واللهِ، إن هذا اسم حَسَنٌ على خيرة الله، فاستقرت سلطنتُه، وحلف له الأمراء على العادة، وعمره يومئذ إحدى عشرة سنة.