لمَّا امْتَنع عَمرُو بن سعيدِ بن العاصِ على عبدِ الملك خرَج أيضًا قائدٌ مِن قُوَّادِ الضَّواحي في جبلِ اللُّكَّامِ وتَبِعَهُ خَلْقٌ كثيرٌ مِن الجَراجِمَة (نسبة لقبيلة جرجم)، والأَنباطِ (مجموعة من العرب ينتمون إلى نبط بن ‘سماعيل)، وآباقِ عَبيدِ المسلمين، وغَيرِهم، ثمَّ سار إلى لُبنان، فلمَّا فرَغ عبدُ الملك مِن عَمرِو بن سعيدِ أَرسَل إلى هذا الخارِج فبَذَل له كُلَّ جُمُعةٍ ألفَ دِينارٍ، فرَكَن إلى ذلك ولم يُفسِد في البِلادِ، ثمَّ وضَع عليه عبدُ الملك سُحيمَ بن المُهاجِر، فتَلَطَّفَ حتَّى وصَل إليه مُتَنَكِّرًا فأظهَر له مُمالأتَه وذَمَّ عبدَ الملك وشَتَمَه ووَعَدهُ أن يَدُلَّهُ على عَوْراتِه، وما هو خيرٌ له مِن الصُّلْح. فوَثِقَ به. ثمَّ إنَّ سُحيمًا عَطَفَ عليه وعلى أَصحابِه وهم غَارُون غافِلون بجيشٍ مع مَوالي عبدِ الملك وبَنِي أُمَيَّة وجُنْدٍ مِن ثِقاتِ جُنْدِهِ وشُجْعانِهم كان أَعَدَّهم بمكانٍ خَفِيٍّ قريبٍ وأَمَر فنُودِي: مَن أتانا مِن العَبيدِ -يعني الذين كانوا معه- فقَتَل الخارِجَ ومَن أعانَهُ مِن الرُّومِ، وقُتِلَ نَفَرٌ مِن الجَراجِمَة والأنباط، ونادَى المُنادِي بالأمانِ فيمَن لَقِيَ منهم، فتَفَرَّقوا في قُراهُم، وسُدَّ الخَلَلُ، وعاد سُحيمُ بن المُهاجِر إلى عبدِ الملك، ووَفَّى للعَبيدِ.