صار الأمرُ في المملكة لأيبك البدري وَحْدَه من غير منازع، وأخذ أيبك في المملكة وأعطى، وحكم بما اختاره وأراده، فمِن ذلك أنَّه في رابع شهر ربيع الأول رَسَم بنفي الخليفة المتوكِّل على الله إلى مدينة قوص، فخرج المتوكِّلُ على الله، ثم شُفِعَ فيه فعاد إلى بيته، ومن الغَدِ طَلَب أيبك نجم الدين زكريا بن إبراهيم ابن الخلفية الحاكمِ بأمر الله وخَلَع عليه واستقَرَّ به في الخلافة عِوَضًا عن المتوكل على الله من غير مبايعةٍ ولا خَلعِ المتوكِّلِ مِن الخلافةِ نَفسَه، ولُقِّبَ زكريا بالمعتصم بالله، ثم في العشرين من شهر ربيع الأول تكلَّم الأمراء مع أيبك فيما فعله مع الخليفةِ، ورَغَّبوه في إعادته، فطلبه وأخلع عليه على عادتِه بالخلافةِ، وعزل زكريَّا, ومن الناس من لم يُثبِتْ خلافة زكريا؛ فإنَّه لم يخلَع المتوكِّلُ نَفسَه من الخلافة حتى يبايَعَ زكريا!