تواترت الأخبارُ بأنَّ الأميرين شيخًا ونوروزًا قد اتفقا على الخروج عن طاعة السلطان، وعزما على أخذ حماة، فوقع الشروع في عمارة قلعة دمشق، وكُتِبَ تقدير المصروف على ذلك مبلغ ثلاثين ألف دينار، وفيه وقع الاهتمام في بلاد الشام بتجهيز الإقامات للسلطان، وفي شهر رجب قدم الخبر بأن الأمير نوروزًا نائب طرابلس توجَّه منها إلى حصن الأكراد وحاصرها، وأن الأمير شيخًا كتب إليه أنه اتفق مع جماعة من قلعة حلب على أن يسلِّموها له، وأشار عليه أن يرجع إلى طرابلس يحصل قلعة حلب بيده، وأن الاتفاق وقع بينهما على أن يجهزا سودن الجلب على ثلاثمائة فارس ليأخُذَ حماة، وأن الأمير شيخًا أرسل إلى ناصر الدين محمد بن دلغادر يعرض عليه نيابة عينتاب فلم يقبل ذلك، وأنه خرج من حلب يريد العمق، فنزله آخر جمادى الآخرة، وجمع عليه طائفة التركمان البياضية وابن سقل سيز، ابن صاحب الباز، وغيرهم من التركمان والعرب، وأنه أوقع بعمر بن كندر في ثالث رجب، ثم قاتل التركمان في سابعه، فكسرهم، وأسر منهم جماعة، وأنه بعث أحمد الجنكي أحد ندمائه بهدية إلى قرا يوسف، وأن نوروزًا بعث إليه بهدية أخرى صحبة بهلوان من أصحابه، وفي شهر رمضان تأكد عند السلطان خروج الأميرين شيخ ونوروز عن طاعته، وأنهما عزما على أخذ دمشق، وأن سودن الجلب ويشبك بن أزدمر سعيا في ذلك، وأن الأمير نوروزًا قتل أقسنقر الحاجب، ثم في شهر ذي الحجة خرج السلطان بجيشه من مصر يريد الشام وأن يأخذ الأمير شيخًا ونوروزًا، ثم جاء الخبر بأن الأمراء الذين تقدموه قد خرجوا عن الطاعة، فلم يَثبُت، وسار السلطان من غزة مجدًّا في طلبهم، وقد نفرت منه القلوب، وتمالأت على بُغضِه؛ لقبح سيرتِه، وسوء سريرتِه، وفي السادس والعشرين ذي الحجة نزل الأمراء الذين تقدموا بقبة يلبغا خارج دمشق، وركبوا إلى الأمير تغري بردي نائب الشام، فعادُوه وقد اشتد به مرضُه، وأعلنوا بما هم عليه من الخلاف للسلطان، والخروج عن طاعته، ثم رحلوا عن قبة يلبغا في التاسع والعشرين، ونزلوا على برزة يريدون اللحاق بالأميرين شيخ ونوروز على حمص، فلم يوافقهم على ذلك الأمير شاهين الزردكاش، فقبضوا عليه ومضوا، ونزل السلطان الكسوة في بكرة يوم الثلاثاء آخره، وقد فتَّ في عَضُدِه مخالفة الأمراء عليه، ولاحت أمارات الخذلان عليه، وظهرت كآبة الزوال والإدبار، فألبس من معه من العسكر السلاح، ورتَّبهم بنفسه، ثم ساق بهم، وقصد دمشق.