بعد أن أصبح السلطان العزيز يوسف بن برسباي سلطانًا أصبح الأمير الكبير جقمق هو نظام الملك؛ فله الأمر والنهي، وبيده كل شيء، وليس للسلطان سوى الاسم، وكان في هذه السنة حصلت فتن بين المماليك الأشرفية التابعين للسلطان، وبين الأمير جقمق ومن معه من الأمراء والمماليك الظاهرية والمؤيدية، فعزز الأمير جقمق مركزه وعلا شأنُه، حتى لما كان يوم الأربعاء التاسع عشر ربيع الأول قام الأمير الكبير جقمق بخلع السلطان العزيز يوسف بعد أن دام في السلطنة مدة أربعة وتسعين يومًا، وذلك باتفاق الأمراء وأعيان المملكة على سلطنته، ولما تم أمره استُدعي الخليفة المعتضد بالله داود والقضاة الأربعة والأمير قرقماس أمير سلاح وسائر الأمراء وجميع أعيان الدولة إلى الحراقة -نوع من السفن فيها مرامي نيران يرمى بها العدو- بباب السلسلة من الإسطبل السلطاني، وجلس كل واحد في مجلسه، فافتتح الأمير قرقماس الكلام مع الخليفة والقضاة بأن قال: السلطان صغير، والأحوال ضائعة؛ لعدم اجتماع الكلمة في واحد بعينه، ولا بد من سلطان ينظر في مصالح المسلمين وينفرد بالكلمة، ولم يكن يصلح لهذا الأمر سوى الأمير الكبير جقمق هذا, فقال جقمق: هذا لا يتم إلا برضا الأمراء والجماعة، فصاح الجميع: نحن راضون بالأمير الكبير؛ فعند ذلك مد الخليفة يده وبايعه بالسلطنة، ثم بايعه القضاة والأمراء على العادة، ثم قام مِن فَورِه إلى مبيت الحراقة، ولبس الخلعة الخليفتية السوداء، وتقلد بالسيف، وخرج راكبًا فرسًا أُعِدَّ له بأبهة السلطنة وشعار الملك، فأصبح السلطان الجديد هو السلطان الملك الظاهر سيف الدين أبو سعيد جقمق العلائي الظاهري الشركسي.