غَزَا قُتيبةُ بِيكَنْد وهي أَدْنَى مَدائِن بُخارَى إلى النَّهْر، فلمَّا نَزَل بهم اسْتَنْصَروا الصُّغْدَ واسْتَمَدُّوا مَن حَولهم، فأَتوهم في جَمْعٍ كَثيرٍ وأَخَذوا الطُّرُقَ على قُتيبَة، فلم يَنْفَذ لِقُتيبَة رَسولٌ ولم يَصِل إليه خَبَرٌ شَهْرَيْنِ، وأَبطأَ خَبرُه على الحَجَّاج فأَشفَق على الجُنْدِ فأَمَر النَّاس بالدُّعاء لهم في المَساجِد وهُم يَقْتَتِلُون كُلَّ يومٍ. وكان لِقُتيبةَ عَيْنٌ مِن العَجَمِ يُقالُ له: تَنْدُر، فأَعطاهُ أهلُ بُخارَى مَالًا لِيَرُدَّ عنهم قُتيبة، فأَتاه فقال له سِرًّا مِن النَّاس: إنَّ الحَجَّاج قد عُزِلَ وقد أَتَى عامِل إلى خُراسان فلو رَجَعْتَ بالنَّاس كان أَصْلَح. فأَمَر به فقُتِلَ خَوفًا مِن أن يَظهَر الخَبَرُ فيَهْلك النَّاس، ثمَّ أَمَرَ أَصحابَه بالجِدِّ في القِتال فقَاتَلهم قِتالًا شَديدًا، فانْهَزَم الكُفَّارُ يُريدون المدينةَ وتَبِعَهم المسلمون قَتْلًا وأَسْرًا كيف شَاؤُوا، وتَحَصَّنَ مَن دَخَل المدينةَ بها، فوَضَع قُتيبةُ الفَعَلَةَ لِيَهْدِمَ سُورَها، فَسَألُوه الصُّلْحَ فصَالَحَهم واسْتَعْمَل عليه عامِلًا وارْتَحَل عنهم يُريد الرُّجوعَ, فلمَّا سَارَ خَمسةَ فَراسِخ نَقَضُوا الصُّلْحَ, وقَتَلوا العامِلَ ومَن معه، فرَجَع قُتيبةُ فنَقَبَ سُورَهم فسَقَطَ فَسألوه الصُّلْحَ فلم يَقبَل، ودَخَلها عَنْوَةً وقَتَل مَن كان بها مِن المُقاتِلَة، وأصابوا فيها مِن الغَنائِم والسِّلاح وآنِيَة الذَّهَب والفِضَّة ما لا يُحْصَى، ولا أصابوا بخُراسان مِثلَه، فقَوِيَ المسلمون، ووَلِيَ قَسْمَ الغَنائِم عبدُ الله بن وَأْلَان العَدَوِيُّ أَحَدُ بَنِي نلكان، وكان قُتيبةُ يُسَمِّيه الأَمين ابن الأَمين، فإنَّه كان أَمِينًا. فلمَّا فَرَغ قُتيبةُ مِن فَتْح بِيكَنْد رَجَع إلى مَرْو.