ظنَّ اليهودُ أنَّ الفرصةَ سانحة لهم لتحقيقِ حُلمٍ راودهم طويلًا، فنزحوا في هجراتٍ متقطعة ومتقاربة إلى سيناء لاستيطانِها، وكانت خطَّتُهم تقوم في المراحل الأولى على تركيز إقامتِهم في مدينة الطور، وكان اختيارُهم لهذه المدينة اختيارًا هادفًا؛ فهذه المدينة- وهي تقع على الشاطئ الشرقي لخليج السويس- لها ميناء يصلح لرسو السفن التجارية، وكانت تأتيها سفن من جدَّة، وينبع، وسواكن، والعقبة، والقلزم، كما كانت المدينة ترتبط برًّا بخطِّ قوافل مع القاهرة والفرما، وبذلك كان يسهل على اليهود إيجاد اتصالات خارجية، فلا يصبحون في عزلةٍ عن العالم، بل تستطيع السفن أن ترسوَ في ميناء الطور تحمِلُ أفواجًا من اليهود الجُدُد، وقد تزعَّم حركةَ التهجير رجلٌ يهودي اسمه إبراهام، استوطن الطورَ مع أولاده وسائر أفراد أسرته، ولما أقام اليهودُ بالطور تعرَّضوا بالأذى لرهبان دير سانت كاترين؛ ممَّا دفعهم إلى إرسال شكاوى مكتوبة إلى سلاطين الدولة العثمانية وولاتها، يشتكون من إيذاء اليهود لهم مذكِّرين بعهد العثمانيين لحمايتِهم، ومنْع اليهود استيطان سيناء، ومحذِّرين من نزوح اليهود إلى سيناء، وخاصة مدينة الطور، في جماعات كثيرة بقصد إيقاعِ الفتن، ولما كانت الدولةُ الإسلامية مسؤولة بحكم الشرع عن حماية أهلِ الذمَّة، فقد سارع على الفور المسؤولون العثمانيون إلى إصدار ثلاثة فرمانات ديوانية في عهد السلطان مراد الثالث، فأمروا بإخراج إبراهام اليهودي وزوجتِه وأولاده وسائر اليهود من سيناء، ومنعهم في قابل الأيام منعًا باتًّا من العودة إليها بما فيها مدينة الطور والإقامة بها أو السكنى.