على الرغمِ من اعتراف الدولة العثمانية بضم القرم لروسيا سنة 1186 إلَّا أنَّ قصْدَ روسيا ومساعديها انتشابُ القِتالِ؛ ليحظى كل منهم بأمنيتِه؛ لذلك عَمِلوا على إثارة خاطر الدولة العثمانية وإيقاعِها في الحربِ، فأخذوا في تحصين ميناء سباستوبول وأقاموا ترسانةً عظيمةً في ميناء كرزن، وأنشؤوا عمارةً بحرية من الطراز الأول في البحرِ الأسود وأرسلوا جواسيسَهم إلى بلاد اليونان وولايتي الفلاخ من البغدان؛ لتهييجِ النصارى على الدولةِ العثمانية، ثم توصَّلت كاترين الثانية إلى إدخال هرقل ملك الكرج تحت حمايتِها مُقدمةً لفتحِ بلادِه نهائيًّا وأخيرًا في سنة 1787م. ساحت كاترين في البلاد الجنوبية وبلاد القرم بأبَّهةٍ واحتفالٍ زائد، وأقام لها القائِدُ بوتمكين أقواسَ نصرٍ كُتِب عليها طريقُ بيزنطة، فعَلِمت الدولةُ العثمانية من كلِّ هذه الأحوالِ أنَّها تقصِدُ محاربتَها ثانيًا، وتأكَّد لها هذا العزمُ لَمَّا تقابلت كاترين في سياحتِها هذه مع ملك بولونيا وإمبراطور النمسا؛ ولذلك أرادت الدولةُ العثمانية هي المبادرةَ بإعلان الحربِ قبلَ تمامِ استعدادِ أعدائِها؛ ولإيجادِ سَبَبٍ له أرسلت بلاغًا إلى سفير روسيا بالأستانة المسيو جولغا كوف في صيف سنة 1787م تطلب منه تسليمَ موروكرداتو حاكِمِ الفلاخ الذي كان عصى الدولة والتجأ إلى روسيا، والتنازلَ عن حماية بلاد الكرج بما أنَّها تحت سيادة الدولةِ، وعزْلَ بعضِ قناصِلِها المهيِّجين للأهالي، وقبولَ قناصِلَ للدولة في موانئ البحر الأسود، وأن يكون لها الحَقُّ في تفتيش مراكِبِ روسيا التجارية التي تمرُّ مِن بوغاز الأستانة للتحقيقِ مِن أنَّها لا تحمِلُ سِلاحًا أو ذخائِرَ حربية, فرفض السفيرُ هذه الطلباتِ إلَّا بإذن دولته، فأعلن الباب العالي الحربَ عليها فورًا، وسجن سفيرَها في أغسطس سنة 1787م, ولما كان الجنرال بوتمكين لم يتِمَّ معداتِ الحربِ وقعَ في حيص بيص، وكتب إلى كاترين يخبرُها بعدمِ صلاحية البقاء في القرمِ ناصِحًا لها بإخلائِها في أقربِ وقتٍ، لا سيما وأنَّ مَلِكَ السويد جوستاف الثالث أراد انتهازَ هذه الفرصة لاسترجاعِ ما فقدَتْه دولتُه من المقاطعات والبلادِ التي أخذَتْها منها روسيا، لكِنْ لم تَثنِ هذه الحوادِثُ هِمَّةَ هذه الإمبراطورة التي أعانتها الأيامُ، بل كتبت للجنرال بوتمكين بعدمِ انتظار العثمانيين، والسيرِ بكلِّ شجاعةٍ وإقدامٍ على مدينتي بندر وأوزي، فصدع بأمرِها وسار نحو أوزي فحاصرها مدةً، ثم دخلها عَنوةً في 30 ربيع الآخر سنة 1203 هـ 19 نوفمبر سنة 1788م وفي هذه الاثناء كانت النمسا أعلنت الحرب على الدولة العثمانية مساعدة لروسيا، وحاول إمبراطورها يوسف الثاني الاستيلاءَ على مدينة بلغراد، فعاد بالخيبة إلى مدينة تمسوار؛ حيث اقتفى أثرَه الجيشُ العثماني وانتصر عليه نصرًا مُبينًا؛ ولذلك ترك الإمبراطور قيادةَ جيوشِه إلى القائد لودن.