كان السلطانُ سليم الثالث منذ أن تولَّى السلطنةَ سنة 1203هـ يدرِكُ أنَّ البلادَ بحاجة إلى إصلاحاتٍ داخليةٍ في كافةِ المجالات لا سيَّما الحربية؛ حيث إنَّ ضَعفَ سلطات استانبول سبَّب استئثار بعض الولاة بولاياتِهم وامتناعِهم عن دفعِ الأموال المتَّفَق عليها للخزينةِ السلطانية، وبعد هدوء القتالِ على الجبهات الخارجية انصرف السلطانُ سليم للإصلاحات الداخلية، فبدأ بتعيين أحدِ الشبَّان، وهو كوشك حسين باشا قبودانا عاما، وقد كان ملمًّا ودارسًا لأحوال أوروبا، فبذل جهدَه بإخلاص لتنقية الطرقِ التجارية البحرية من القراصنة، وأصلح الثغورَ وأنشأ القلاعَ عليها، وبنى عدَّةَ مراكِبَ حربية على أحدثِ الأنماط الفرنسية والإنجليزية، وجلب العديدَ من المهندسين الأوروبيين المهَرة لِصَبِّ معظم قوالب المدفعية في طوبخانات الدولة، كما قام السلطانُ بإنشاء سفارات دائمة لدى دول أوروبا الكبرى، واستغلَّ انشغال الأوروبيين بمحاربة حكومةِ الثورة الفرنسية لتحديثِ الدولة العثمانية وجيشِه، فاستقدمَ العديدَ مِن الخبراء والضباط الفرنسيين لتدريبِ وتحسين العساكر العثمانيَّة، وعَمِل كوشك على إصلاحِ مدارس البحرية والمدفعية (الطوبجية)، وجهَّز مكتبة لمدرسة المدفعية وضع فيها أحدث ما سُطرَ عن فنِّ الحرب والرياضيات، وترجم كتُبَ المهندس الفرنسي فوبان عن فنون الاستحكامات, كما عَمِل سليم الثالثِ على وَضعِ خطةٍ جادَّةٍ لتوسيع رقعةِ التعليم في الدولة، فافتتح العديدَ مِن المدارس والمعاهد، وكان لهذه التحديثات ردود فعل سلبية جدًّا من الانكشارية؛ ممَّا دفعهم للثورة على السلطان سليم وعزله سنة 1222هـ.