رأى القائِدُ الفرنسي نابليون بونابرت أنَّ السيطرةَ على فلسطين ضرورةٌ حيوية لحمايةِ وتأمين مصالحِ الإمبراطورية الفرنسية، فهي من جِهةٍ تأخُذُ لفرنسا نصيبَها من تركة الخلافةِ العثمانية التي كانت تُحتَضَر آنذاك، ومن جهةٍ أخرى تمكِّنُه من الفوز في السباقِ مع منافِستِه بريطانيا، كما تحَقِّقُ له حلمَه الكبيرَ في السيطرة على مصرَ التي كان يعتبِرُها أهمَّ بلد في العالم. وكان نابليون أولَ زعيم أوروبي يعرِضُ على اليهود إقامةَ وطنٍ لهم في فلسطين إذا ما ساعَدوه في حملتِه على مصرَ وفلسطين، بحيثُ تقام لهم دولة يهودية تكونُ تابعةً للنفوذ الفرنسي. ولقد وَجَّه نابليون إلى اليهود-ليُوظِّفَهم في مشروعِه الاستعماري- رسالةً يستَحِثُّهم فيها على الانضمام إليه، ويَعدُهم فيها ويمَنِّيهم. وقد اتَّضح أنَّ هذا البيانَ الذي ادُّعيَ أنَّه صادِرٌ عن قيادة نابليون في القُدسِ لم يكن أكثَرَ مِن زَهوٍ حربي؛ لأن نابليون لم يقترب بفرقتِه قَطُّ من القدس، بل تقهقرت من فلسطينَ إلى مصر بحرًا بعد هزيمتِه في عكَّا، ولم يكن هناك أيُّ أمل في أن يفيَ بوعده الذي قطعَه في بيانه. لكن هذا لا يعني أنَّ البيان كان التفاتةً خالية من المعنى، فهو: "يعَدُّ بمثابةِ اعتراف دولي بوجودٍ قوميٍّ لليهود، واعتقاد ببعث أمةٍ يهودية في فلسطين، فملايينُ اليهود المشتَّتين في أوروبا يجب أن يُجمَّعوا في نهاية المطاف في دولةٍ يهودية في فلسطين تخدمُ المصالحَ الاستعماريَّةَ الفرنسيَّةَ"!