فُتِن أهالي بعضِ البلاد التي دخلها العثمانيون بالتقَدُّم الذي تمَّ في أوربا فأرادوا السيرَ على منهجِهم، فبَدؤوا يُرسِلون أولادَهم إلى أوربا للتعَلُّمِ فيها، فأسَّس اليونانيون جمعياتٍ سريَّةً لهم في النمسا وروسيا وبدؤوا يعملون للانفصالِ عن العثمانيين؛ لاختِلافِ الروابط العَقَديَّة، وكانت مراكِزُ جمعية الأخوة أهمَّ هذه الجمعيات في فيينا عاصمة النمسا وفي أوديسا في روسيا على البحر الأسود، ثم انتقل إلى كييف، ثم كثُرَ أتباعُها، وما إن قضى خورشيد باشا على علي باشا والي يانينة، حتى أعلنوا العِصيانَ بتحريض من الروس بالدرجةِ الأولى، وفي مدة قليلةٍ- حوالي ثلاثة أسابيع- استطاع المتمَرِّدون خلالها السيطرةَ على المورةِ كُلِّها، باستثناء المقاومةِ الشديدة التي أبداها العثمانيون في قلعةِ (تريبوليجة)- وهي مركز ولاية المورة- وحيث استمَرَّت هذه المقاومة شُهورًا عديدةً. وقد قَتَل الرومُ- بوحشية منقطعة النظير- العُثمانيين الذين وقعوا في الأسرِ أثناء هذا التمرُّد، وسَلَبوا أموالهم. لعب بطريرك جريجوريوس دورًا كبيرًا في تمرُّدِ الروم ضِدَّ الحكم العثماني، وقد أعَدَّ خطة إقامة دولة اليونان الأرثوذكسية الكبرى، وأصدر السلطانُ محمود الثاني فرمانًا -أي حكم أو دستور موقع من السلطان- بعَزلِ البطريرك جريجوريوس من منصبِه، ثمَّ قتله، فكلف خورشيد باشا بإخضاعِهم، فسار إليهم فانتصروا عليه وشَتَّتوا جُندَه، وانتحر هو بالسمِّ، ثم كلف محمد علي باشا والي مصرَ بإخضاعِ اليونان، وكان قد انتهى من فتح السودان، فسارت جيوشُ محمد علي باشا بحرًا من الإسكندرية بقيادة ابنه إبراهيم ومستشاره الفرنسي، فاحتَلَّ جزيرة كريت، ثم انطلق إلى المورة التي كانت مركزَ الثورة، فأنزل إبراهيم جنودَه بصعوبة بالغة؛ حيث إن أوربا كلها كانت وراءَ هذه الثورة، فدعَمَتها بالمال والسلاح، بل وبالمتطوِّعين من الرجال المقاتلين، واستطاع إبراهيم باشا أن يحرِزَ النصر ويفتح مدينة نافارين عام 1240هـ وأن يدخُلَ العثمانيون إلى أثينا عام 1241هـ رغم دفاع الإنكليز البحري، ثم إنَّ الدول الأوربية تدخَّلت باسم حماية اليونان ظاهرًا وبحقدٍ صليبي واضحٍ؛ إذ كانت روسيا تدعَمُ اليونان علنًا، ورأت أنَّ الفرصة مناسبة جدًّا لدخول استانبول وإعادتها لعهدها السابق مركزًا للأرثوذكس، ووقفت إنكلترا بجانب روسيا، وعُقِد الصُّلح مع الدولة العثمانية في معاهدة آق كرمان في الثامن والعشرين من صفر من عام 1242هـ.