بادرت القواتُ الدرزية بزعامة أولاد بشير جنبلاط إلى محاصرة "دير القمر"؛ إيذانًا ببدء الحرب الأهلية الأولى. وعلى الرغم من استعداداتِ الموارنة وادِّعاءاتهم بما سيفعلونه بالدروز عندما تقع الحرب، تحوَّل القتال إلى كارثة مروِّعة نزلت بالموارنة في دير القمر؛ إذ دبَّت فيهم الفوضى، فأصبحوا أهدافًا سهلة للقوات الدرزية. وما إن سمع البطريرك بما حدث لدير القمر، حتى أغلق الكنائس، وطلب من كلِّ نصراني أن يحمِلَ السلاح. وهاجمت القواتُ المارونية بعضَ المواقع الدرزية المتفَرِّقة؛ لينتشر لهيبُ الحرب الأهلية بسرعة في البلاد. وتبادل الطرفانِ إحراق القرى وسلْب الأموال، والتمثيل بالأسرى والقتلى. ولكِنَّ كِفَّة الدروز كانت هي الراجحةَ؛ فبعد أن سيطروا على المناطق المارونية في الجنوب شرعوا يدقُّون أبواب النصف الشمالي الماروني عبْرَ نهر الكلب. وخلال هذه الحرب الأهلية وقف الأرثوذكس إلى جانب الدروز؛ لاعتقادهم أن تفوُّقَ الموارنة سيعَرِّضُهم لاضطهاد ماروني، حملًا لهم على ترْك عقيدتِهم. وحينما اشتَدَّ الضغط الدرزي على الموارنة وثبت لهؤلاء أن الحرب تسير في مصلحة خصومهم، وأن الجبهة المارونية هشة مفكَّكة؛ إذ كان رجال الدين الموارنة في جانب، والإقطاعيون في جانب آخر، فضلًا عن تعدد الخلافات بين الزعامات المارونية- سارَعَ الموارنةُ حينها إلى السلطاتِ العثمانية، والقناصل الأوروبيين -خاصة القنصل الفرنسي. وأسفرت الحربُ عن موافقة البطريرك الماروني على إبعادِ الأمير بشير الشهابي الصغير الدرزي عن الحُكم، على أن يحلَّ محلَّه الأميرُ بشير الشهابي الكبير؛ الأمر الذي ترك انطباعًا سيئًا لدى القنصل الإنجليزي عن رجالِ الدين الموارنة.