في يومِ الأربعاء الثالث عشر من يونيو 1906م كانت قرية دنشواي تعيشُ في هدوء حتى دخَلَها على غير موعدٍ عددٌ من أفرادِ كتيبةٍ إنجليزيَّةٍ كانت تتحَرَّك من القاهرة إلى الإسكندرية، وبدؤوا في اصطياد الحمام الذي يربِّيه الأهالي، وبجوارِ أجران القمح -موضع يُداس فيه القَمحُ- التي لا تخلو من وجودِ أصحابها بجوارِها، وبينما هم كذلك أصابت رصاصةٌ زوجةَ مؤذِّن القرية (صاحب أحدِ الأجران) وأشعلت رصاصةٌ ثانيةٌ النَّارَ في جرن القمحِ، فهبَّت القريةُ كُلُّها في وجهِ الغُرَباءِ الذين اعتَدَوا على قريتِهم وأشعلوا فيها النيرانَ، وجرت مواجهةٌ محدودةٌ بين الأهالي والغرباءِ أصيب على إثرِها عددٌ من الأهالي، بينما فرَّ أحَدُ الضباطِ هاربًا تحت الشمسِ الحارقة وأصابته ضربةُ شمس أودت بحياتِه. طار الخبَرُ إلى أهل الحُكمِ وبلغت الأنباءُ الكتيبةَ الإنجليزيةَ التي كانت على مَقرُبة من موقع الحادث، فصدرت الأوامِرُ إليها بالتحرُّكِ لنجدة أفرادها، وتقدَّموا إلى دنشواي في هجومٍ انتقاميٍّ على أهالي القرية العزَّلِ، وجرت الاعتقالاتُ العشوائيةُ، وتم نصبُ المشانِقِ قبل المحاكَمةِ نَفسِها، وتجلَّت مظاهرُ انتقام جيشِ الاحتلال من قريةٍ مِصرية عَزلاءَ حاولت الدفاعَ عن نفسها ضِدَّ غرباءَ دخلوها بلا استئذانٍ، وعاثوا فيها فسادًا ولهوًا وعبثًا! حتى صدر في العشرين من يونيو قرارُ وزير الحقَّانية النَّصراني بطرس غالي باشا بتشكيل المحكمة لمحاكمة 59 متهمًا وترأَّس المحاكَمةَ بُطرس غالي نفسُه، وكان عضوًا بها أحمد فتحي بك زغلول (شقيق سعد زغلول) مع ثلاثة قضاة من الإنجليز، وقام إبراهيمُ الهلباوي بدور المدَّعي العام، وبعد أسبوع من تاريخه صدرت الأحكامُ القاسية بإعدامِ أربعةٍ مِن أهالي دنشواي والسجنِ المؤبَّد لاثنين، والأشغال الشاقة لمُدَد أخرى مع جَلدِ عدَدٍ من المتهمين، وتم التنفيذ بطريقةٍ غاية في البشاعةِ والهمجيَّة؛ حيث تمَّ حَشدُ الأهالي لمشاهدة المجزرة البَشِعة، ثمَّ إن مصطفى كامل قام بأكبر حملةٍ في أوروبا يفضحُ فيها جرائِمَ الإنجليز في مصرَ، ويطالب بالجلاءِ والاستقلال، ومِمَّا كتبه في هذه الفترة مقالٌ نشرته (الفيجارو) الفرنسية.