كان الآشوريون -وهم نصارى نساطرة- يقيمون في ولاية "وان" شرقيَّ الأناضول، وعاشوا تحت ظِلِّ الدولة الإسلامية آمنينَ على دمائِهم وأعراضِهم وأموالِهم، فلما اندلعت الحربُ العالمية الأولى، واستولى الروسُ على "وان" أغرَوا الآشوريِّينَ بالتمَرُّد على العثمانيين، وأمدُّوهم بالمالِ والسلاح، ولَمَّا انسحبت روسيا من "وان" بعد قيام الشيوعيَّةِ وجدت الدولةُ العثمانيةُ نفسَها مضطرةً للفَتكِ بهم؛ لِمَا أظهَروه من الخيانة والتمرُّدِ والقتل، ففَرَّ مَن استطاع منهم إلى إيران، ثمَّ عَمِلت بريطانيا على نقلِهم إلى العراق وأقاموا لهم مخيَّمات في ديالي وبعقوبة، ثم قاموا في العراق بإحداثِ عِدَّةِ فِتَن، منها فتنة سوق العتمة في محرم 1342 / 15 آب 1923م، وأخرى في رمضان من نفس العام، وهمَّت القبائل بالفتكِ بهم، فحمتهم بريطانيا، وألزمت الحكومة بإعطائهم الأراضيَ وإعفائِهم من الضرائِبِ، فأخذوا أكثَرَ ممَّا يستحقون، وعُين الضابط الإنجليزي فايكر لإسكانهم وله مطلقُ الحرية، ثم جاء إلى العراق نقيبٌ إنجليزي يُدعى هرمز رسام ادَّعى أنه نسطوري أصلُه من الموصِل، فأخذ يتجوَّلُ بين النساطرة الآشوريين ويحَرِّضُهم على طلب الانفصال عن العراق، وأسَّس جمعية لجنة إنقاذ الأقليات العراقية غير المسلِمة، وحاول الآشوريون عرقلةَ دخول العراق للأمَمِ المتحدة؛ لأنَّ بريطانيا ستتخلَّى عنهم حينَها، فأصبح بطريق الآشوريين "مار شمعون" يطالِبُ بسلطةٍ واسعةٍ على قومِه إداريًّا، ودعا قومَه للتمَرُّد، واستدعت الحكومةُ العراقية مار شمعون ونصحَتْه بالكَفِّ عن هذه الأفكارِ، فلم يمتَنِعْ، فمُنِعَ من العودة للمَوصِل؛ مما أثار الأوساطَ النصرانية كافةً، وكان الملك فيصل في لندن فأبرق منها بالسَّماحِ له بالعودة دون قيودٍ؛ وذلك بناءً على طلب بريطانيا منه ذلك، ولكِنَّ الحكومة لم تستجبْ ودُعِيَ بعض وجوه الآشوريين لعَقدِ مؤتمر، ولكن الآشوريين أعلنوا أنهم يريدون الانتقالَ إلى سوريا تحت حماية فرنسا، فانتقل ما يقارب من 1350 رجلًا، وأخبرت العراق فرنسا أنَّها لا تسمح بعودةِ أيِّ رجل من هؤلاء، إلَّا أن الفرنسيين أعلموا الحكومةَ العراقية في 11 ربيع الثاني 1352هـ أنهم قرَّروا إعادتهم، فأعادوهم بالسلاحِ، وبدؤوا التحرُّكَ للعراق فلاقَتْهم القوات العراقية فحصل اشتباكٌ قُتِلَ من الآشوريين ما يزيدُ على الألف، وقام النساطرة في الداخل باعتداءاتٍ على السكَّان، واضطر الملكُ فيصل للعودة من أوربا، وحاولت عُصبةُ الأمم التدخُّلَ، واندلعت الثورةُ الآشورية في عمومِ العراق في 14 من ربيع الثاني، فتشَكَّلت الوفودُ واللجان العالمية وكَثُرت الاحتجاجات وترجيات الأُمَم؛ لاستقبال المظلومين، وكل ذلك بدافع العصبية الدينية النصرانية، حتى انتهت أزمتُهم بحماية إنجلترا لهم، وإعادة تسكينِهم وتعويضِهم.