كان الخلافُ بين عبد الكريم قاسم ذو الميول الشيوعية وعبد السلام عارف أبرَزَ مشاهد الصراع على السلطة بين قادة (الضباط الأحرار)؛ فقد بدأ الخلافُ بينهما من اليوم الأول؛ إذ يعدُّ كل واحدٍ منهما نفسَه أنه هو الذي أنشأ الحركةَ وقادها، فعبد الكريم قاسم رأسُ المنظَّمة ومنه تَصدُرُ الأوامر، وهو الذي يرى نفسَه أنَّه هو المُخطِّط لهذه الثورة، ولا يتِمُّ عمَلٌ دونه، ويرى عبد السلام عارف أنه هو الذي قاد الحركة وخاطر، وتسلَّم الإذاعةَ، وهو أوَّلُ من أذاع نبأ الحركة إلى الرعيَّة، وأعطى التعليماتِ اللازمة للسيطرة على الموقف، وكان عبد السلام يدعو إلى الوَحدةِ العربية الشاملة والانضمام إلى الجمهورية العربية المتَّحِدة، كما أنه كان معجبًا بعبد الناصر؛ ولم يكن قاسم يرى ما يراه عبد السلام، ولَمَّا زار عبد السلام دمشق بعد الثورة بخمسةِ أيام عرض على عبد الناصر الوَحدةَ فلما سأله عن رأي عبد الكريم قاسم قال له: مصيرُه مصيرُ محمد نجيب! ولَمَّا عَلِمَ قاسم بهذا الحوار أسَرَّها في نفسه، ثم قام عبد السلام بجولةٍ في أنحاء العراق وكان يُلقي خُطبًا وينقل للجموع تحيات الرئيس جمال عبد الناصر كأنه رئيس البلاد دون أن يذكُرَ عبد الكريم قاسم زعيم العراق، فأخذ قاسِمٌ في إبعاد عبد السلام عن مركز القيادة في البلاد تدريجيًّا، فألغى منصب عبد السلام كنائب قائد القوات المسلحة بحُجَّةِ أنَّ عددًا من الضباط أصحاب رتب أعلى منه، ثم عزله عن منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية بالوكالة للمصلحة العامة، وفي نفس اليوم أصدر قرارًا بتعيينه سفيرًا للعراق في ألمانيا الغربية، لكِنَّ عبد السلام رفض هذا المنصب وأصرَّ على البقاء في بغداد، وفي 25 جمادى الأولى 1378هـ ألقت الشرطةُ القبض على عبد السلام عارف بتهمة محاولة قتل عبد الكريم قاسم، وأودِعَ السجنَ ثم حُكِمَ عليه بالقتل، لكن قاسم لم يصادق على الحُكمِ وبَقِيَ في السجن إلى أن أفرجَ عنه قاسم في ربيع ثاني 1381هـ وقد أحيل بعضُ أعوان عبد السلام عارف إلى التقاعُدِ والبعض نُقِلوا إلى مراكز غير حسَّاسة، أما الشيوعيون منهم فقد التفُّوا حول قاسم.