كانت المنظماتُ الصهيونيةُ تُصعِّد ضغوطَها منذ عام 1960م لاستصدار وثيقةٍ من الفاتيكان بتبرئة اليهود من دمِ المسيح، وقد صَدَرت بالفعل وثيقة فاتيكانية بعنوان (نوسترا ايتاتي) تعلن أن موت السيد المسيح -على زعمهم- لا يمكن أن يُعزَى عشوائيًّا إلى جميع الذين عاشوا في عهده أو إلى يهود اليوم. وكان البابا يوحنا الثالث والعشرون قد ألغى من الصلاة الكاثوليكية مقطعًا يتحدَّث عن اليهود الملعونين، كما ألغى من النصوصِ الدينية جُرْمَ قَتْل الرب، على اعتبار أن الوثيقة المذكورة نصَّت أيضًا على ألا يُنظَرَ إلى اليهود كمنبوذين من الرب وملعونين، كما لو جاء ذلك في الكتاب المقدس. وسَعَت الجماعاتُ اليهودية والصهيونية إلى استثمار سريع لوثيقة 1965م، ولكِنَّ عدوان يونيو 1967م ووقوع القدس في القبضة اليهودية أوجد متغيَّرًا جديدًا أمام الفاتيكان، فركَّز منذ ذلك الوقت على تدويل القدس، وأظهر تعاطفًا مع الكفاح الفلسطيني، وبدأت تظهرُ أيضًا تعبيرات الشعب اليهودي في تصريحاته، والإشارة إلى ما تحمَّله (الشعب اليهودي) من مآسٍ. وبعد عشرين عامًا خطا البابا يوحنا بولس الثاني الخطوةَ التالية في الاتجاه نفسه، فألغى عمليًّا التعديلات التي سبق أن أُدخِلت على الوثيقة الأصلية بتأثير اعتراضات الكنائس المسيحية في البلدان العربية في حينه، وأصدر في 24/6/1985م وثيقة لجنة الفاتيكان للعَلاقات الدينية التي تضمنت تبرئة سائر أجيال اليهود من دمِ المسيح، كما تضمَّنت الربطَ الوثيق بين اليهود وإسرائيل؛ توطئةً لما قام لاحقًا من علاقات مباشرة ودبلوماسية بينهما. ورافق إصدارَ الوثيقة تعميمٌ جديد يقضي بمزيد من تعليمات الفاتيكان لسائر الكنائس الكاثوليكية؛ لتعديل ما ينبغي تعديلُه من نصوص الصلوات والمناهج المدرسية وغيرها، وفقًا للنصوص البابوية. وزاد على ذلك في 13/4/1986م قيام يوحنا بولس الثاني بزيارة كنيس يهودي في روما، وذلك لأول مرة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية؛ حيث خاطب سَدَنَتَه بقوله: الأحبَّاء الأعزَّاء والإخوة الكبار، وكان بينهم الحاخام الأكبر في الكنيس اليهودي، وقد اعتُبرت خطوةً رئيسة لمزيد من التقارب مع اليهود.