"أيلول الأسودُ" هو الاسمُ الذي يُشار به إلى شَهر أيلولَ من هذا العامِ؛ ففي هذا الشَّهر تحرَّك حُسين بن طلال ملِكُ الأردنِّ لإجهاضِ مُحاولةٍ لمنظَّمات فِلَسطينية لإسقاطِ نِظامِ حُكمِه الملكيِّ؛ حيث استمرَّ القتالُ المسلَّح حتى يُوليو عام 1971م؛ حيث كان الفِلَسطينيون يُشكِّلون نِسبةً عالية من تَعدادِ سُكان الأردنِّ في تلك الفترة، وكانوا مَدْعومين من قِبَل أنظمةٍ عربية مُختلِفة، خاصَّةً من الرئيس المصريِّ جَمال عبد الناصر. بدَأَت قُوات الأمنِ الأُردنية وقُوات الجيش تَفقِد سُلْطتها؛ حيث بدَأت قُواتُ منظَّمة التحرير الفِلَسطينية النِّظامية بحمْلِ السلاحِ بشَكلٍ عَلَني، وإقامة نِقاطِ تَفتيشٍ، وجمْع ما أطلقوا عليه مُصطلح "ضَرائب القضيةِ الفِلَسطينية". هذا الانتشارُ الفِدائي على الساحة الأُردنية بدَأ يُقلِق الملِكَ حُسينًا، الذي بات يَشعُر أنَّ هناك دولةً بدأَت تنْمو داخلَ دَولتِه. وخلالَ مُفاوضاتِ نوفمبر عام 1968 تمَّ التوصُّل إلى اتِّفاقية من سبْعة بُنود بين الملِك حُسين والمنظَّمات الفِلَسطينية، لكن لم تَصمُد الاتفاقيةُ، وأضْحَت منظَّمة التحرير الفِلَسطينية دولةً داخلَ الدولةِ في الأردنِ، وأصبَح رِجالُ الأمنِ والجيش الحُكومي يُهاجَمون ويُستهزَأ بهم، وما بين مُنتصَف عام 1968 ونهاية عام 1969م كان هنالك أكثرُ مِن 500 اشتباكٍ عنيف وقَع بين الفصائل الفِلَسطينية وقُوات الأمْن الأُردنية. وأصبَحَت أعمالُ العُنْف والخطْف تَتكرَّر بصُورةٍ مُستمِرَّة، كما أن المنظَّمات الراديكاليةُ في مُنظَّمة التحرير الفِلَسطينية -الجبْهة الشَّعبية لتحريرِ فِلَسطين لجورج حبش، والجبْهة الديمقراطيةُ لتَحرير فِلَسطين لنايف حواتمة، والجَبْهة الشعبيةُ لتَحرير فِلَسطين القيادة العامة لأحمد جبريل قرَّرت تقويضَ نِظام الملِك حُسين بن طلال. وفي 9 يونيو نجا الملِكُ حُسين من مُحاولة فاشلةٍ لاغتياله أثناءَ مُرور مَوكبه في منطقة صويلح، ومحاولةٍ فاشلة أُخرى بوسط عَمان؛ حيث قام قنَّاص فِلَسطيني كان مختبئًا على مِئذنة المسجدِ الحُسيني بإطلاق النارِ على سيَّارة الملِك، واستقرَّت إحدى الرصاصاتِ في ظَهر زَيد الرفاعي الذي كان يُحاوِل حِمايةَ الملِك، كانت تلك الفترةُ الأكثرَ حسْمًا ودَمويةً؛ حيث بدَأ الجيشُ الأردني في التوجُّهِ إلى المدن والمخيَّمات الفِلَسطينية والهجومِ على القواعدِ الفدائيةِ فيها بعدَ 16 أيلول، وفي أيَّام الحرب طرَح النِّظام الأُردني سيناريو التدخُّلِ الأمريكي والإسرائيليِّ البريِّ والجويِّ لدَعْم جيش الأُردنِّ، خصوصًا بعدَ أن أعلَنَت سُوريا والعراقُ دَعمَهما للمقاومةِ الفِلَسطينية في الأردنِّ، فتحرَّكت 300 دبابةٍ من القوات السُّورية لتُحِيط بمدينةِ إربد الأُردنية في 20 مِن أيلول، وما بين فِبراير ويونيو من عامِ 1970 قامت مُصادماتٌ بين قُوات الأمْن وقوَّات المنظَّمات الفِلَسطينية. انتهَت المعاركُ بين الطرفينِ في 28 أيلول بعدَ توقيعِ اتفاقيةٍ بين ياسر عَرفات والملِك حُسين في القاهرةِ بحُضور جمال عبد الناصرِ في أعقابِ القِمة العربيَّة الطارئةِ في القاهرةِ في أيلول / سبتمبر، وقُدِّر عددُ القتْلى والإصاباتِ بين الأُردنيين والفِلَسطينيين بعشَراتِ الآلافِ، وتُمثِّل أحداثُ "أيلول الأسود" نُقطةَ تحوُّل في الهُوية الأردنية؛ حيث باشَرَت المملكةُ ببرنامجِ "أرْدَنة المجتمَع"، وطرْد القُوات الفِلَسطينية إلى لُبنان؛ حيث أسَّست فتح "منظَّمة أيلول الأسود"، وفي 28 نوفمبر 1971 في القاهرة اغتِيلَ رَئيس الوزراء الأردني وَصفي التل على يَدِ أربعةٍ من أعضاء مُنظَّمة فتْح، وكان (التل) قد اتَّسم بالعنْف في عملية إجلاءِ الفِدائيين من الأردنِّ.