زاد النشاطُ الإسلاميُّ في تُركيا أيامَ حُكومة فخري ثابت كوروتورك، والذي أظهَرَه حِزب السلامة الوطني برئاسة نَجم الدِّين أرْبكان، وهذا ما أخاف الدوائرَ الاستعماريةَ، فكان لا بُد مِن إجراء عمل يحدُّ من نَشاط الإسلاميين، مع الخوف أيضًا من انتشارِ الشُّيوعية وسَيطرتها على الحُكْم، فتَحرَّك الجيش بقيادةِ رئيس الأركان كنعان إيفرين في 3 ذي القعدة 1400هـ / 12 أيلول بانقلابٍ عَسكري ضدَّ الحكومة المدنية المنتخَبةِ، وكان هذا الانقلابُ ثالثَ انقلابٍ عسكري بعد انقلاب 27 أيار / مايو 1960م على عَدنان مندريس، وانقلابِ المذكِّرة في 12 أذار / مارس 1971م، وكانت الفكرةُ التي قام عليها هذا الانقلابُ هي حِماية المبادئ العلمانيةِ التي وضَعها أتاتورك أساسًا للجمهورية التُّركية، فتخوَّف العسكرُ مِن الصعود الملحوظِ للتَّيار الإسلاميِّ في الانتخابات القادمةِ؛ لذلك حصَل هذا الانقلابُ بدعْمٍ من أمريكا بعْد أنْ فقَدَت حليفَها في المنطقة بعدَ الثَّورة الإيرانية 1979م، ومن أهمِّ أسباب الانقلابِ: فشَلُ حِزب الشعب الجمهوري (حزب أتاتورك العلماني) في إدارة البلادِ. شكَّل هذا الانقلابُ ملامحَ تُركيا لثلاثةِ عُقود قادمةٍ، كما يُعدُّ هذا الانقلابُ الأكثرَ دَمويةً؛ لذلك اتَّخذ مجلسُ الأمن القومي -الذي كان يَرأسه الجِنرال كنعان إيفرين، مع عددٍ من الضُّباط الكبار في الجيشِ والقوات المسلحة التُّركية- بعد الانقلاب في 12 أيلول 1980 قراراتٍ عديدةً تتعلَّق بسياسةِ تُركيا وقتها لغاية الانتخابات العامة التي تمَّت عام 1983، والتي أسفَرَت عن انتخابِ إيفرين رئيسًا لِتُركيا في نوفمبر 1982 بنسبةِ 90% من الأصواتِ، ثم قام بعرْضِ دُستور جديد على الاستفتاءِ، قام فيه بتَحصينِ نفْسه وجِنرالات الانقلاب مِن المحاكمة في المادة (15)، وعزَّز الدستورُ من دَور الجيش في الحياة المدنية بذَريعة حِماية الجُمهورية والعلمانية في المادتين (35) و(85) مِن الدُّستور التركي. كما أقدَمَ إيفرين على إغلاقِ كافَّة الأحزاب السياسية، وتمَّ اتخاذ قرارِ مُراقبة زُعماء الأحزاب بشكلٍ دقيقٍ، ومِن ثَم تمَّت مُحاكمتهم، وبالإضافةِ إلى ذلك قامت السُّلطات المَعْنية بأمرٍ من إيفرين كنعان بسحْب الجِنسية التركية من 14 ألفَ شخصٍ، وإعلانِ الأحكام العُرْفية التي استمرَّت 7 سنوات؛ حيث تمَّت مُحاكمة 230 ألف شخصٍ ضمن 210 دعوة قَضائية، وحُكِم على 517 شخصًا بالقتل، وأُعيد تَصميم السياسة التُّركية من جديدٍ بعد ذلك، ومِن بين الآثار السَّلبية لانقلابِ أيلول العسكري: طَرْدُ ما يُقارب 30 ألف شخصٍ من أعمالهم من دون وُجود مُبرِّرات قانونية تَستوجِب عَزْلَهم عن أعمالهم، وإغلاق عددٍ كبير مِن الجمعيات والمؤسسات الإنسانيةِ في البلادِ. أمَّا على الصَّعيد الإعلاميِّ فقد تمَّ منْعُ 937 فيلمًا سينمائيًّا من العرْض، ولم يَستطِعْ ما يقارب مِن 300 صحيفة ممارسةَ أعمال النشْر والطِّباعة، وبعد مُرور 30 عامًا على الانقلابِ، واستجابةً لمطالِب عددٍ كبير من متضرِّري الانقلاب؛ قرَّرت حُكومة رجب طيب أردوغان فتْحَ ملف تحقيقٍ بحقِّ مَسؤولين رَفيعِي المستوى الذين قادوا انقلابَ 12 أيلول، فتَمكَّن حِزب العدالة والتنمية الذي يَقوده أردوغان مِن تعديلِ عشَرات الموادِّ من ذلك الدستور، بما فيها حَصانة العسكرِ، الأمر الذي سمَحَ للمحاكم بمُتابعة الانقلابيينَ، وإصدار حُكم المؤبَّد في حقِّهم.