في السَّادِس من حُزَيران سنة 1982م اجتاحت إسرائيلُ صَيْدا بقُوَّاتها البَريَّةِ والجَويَّةِ والبَحْريَّةِ بوحشيَّةٍ وحِقدٍ، فدمَّرت بُيوتًا، وقتلت الأبرياءَ، وروَّعت السُّكَّان، وعطَّلتِ الكثيرَ من مَرافِق الحياةِ. وبعد أن سيطرت على أحياءِ صَيْدا والمِنطَقةِ الشرقيَّةِ أخذت تُمارِس الإرهابَ بقَصدِ إذْلالِ الشَّعبِ وتَطبيعِهِ. وكانت تدعو السُّكَّان بواسطة مُكبِّرات الصَّوتِ إلى التجمُّع في الساحاتِ العامَّةِ، وساحِلِ البَحْر، وتفرضُ عليهم الوُقوفَ السَّاعاتِ الطويلةَ في الشَّمس، لا فرقَ عندَهم بين صغيرٍ، أو رجُلٍ، أو مُسِنٍّ، ولا بين طفلٍ، أو وَلَدٍ، أو امرأةٍ، ثم تأمُرُهم بالمرور أمام رجالٍ مُقنَّعينَ، وعندما تصدُرُ إشارةٌ من أحدهم أثناء المرورِ، يُحتجَزُ الشابُّ، ويُساقُ إلى مُعتقَلٍ مُؤقَّت استُحدث في برَّاد الحِمضيات التابع لشَرِكة توضيبِ الحِمْضيَّاتِ، وفي السَّادِسَ عشَرَ من شُباط سنة 1985م انسحبتِ القُوَّات الإسرائيليَّةُ من صَيْدا وجِوارها، فشكَّلَ هذا الانسحابُ خُطوةً مُباركة في مسيرةِ التحريرِ والإنقاذِ، وبراءةٍ جِهاديَّةٍ استحقَّتْها المقاومةُ الإسلاميةُ والوطنيةُ لقاءَ كِفاحها وتضحيَّاتِها. وفي ذلك اليوم الفريدِ تجمَّعَ أهْلُ صَيْدا في الشَّوارِعِ والسَّاحاتِ ليَشهَدَ انسحابَ المُحتلِّ من مدينتِهِ باعتِزازٍ.