ما أن استقَلَّت الكويت عام 1381هـ / حزيران 1961م حتى أخذت العراق تُطالِب بالكويت، وتَعُدُّها جزءًا منها، ولكنْ بعد أيام من الاستقلال نزلَت قوات بريطانية في الكويت، وأصبحت العراق تُطالب بضرورة انسحاب القوات الأجنبية من أرض الوطن، ثم تقدَّمت الكويت إلى الجامعة العربية لتكون عضوًا فانسحبت القوات البريطانية، وحلَّت محلَّها قوات عربية من سوريا والأردُنِّ، ومصرَ والسعوديةِ، التي بَقيَت فيها سنةً، ثم رجعَت، فرجَع العراقُ بالمطالَبة من جديد، وقد تأجَّجَت الفكرة عند قيام الاتحاد العربي بين الأردُنِّ والعراقِ، وحاوَل نوري السعيد رئيسُ الحكومة العراقية في عام 1376هـ / 1957م أنْ يُقنِعَ أميرَ الكويت بالانضمام، وكان الأمر وشيكًا، إلَّا أنَّ الثورة التي قامت في العراق قَضَت على الاتحاد من أصله، وكان هذا قبلَ أيام عبد الكريم قاسم، وفي عهد صدَّام حُسين، وبعد أن انتهت حروبه مع إيرانَ وخرج بمظهَر المنتصِر، طالَب الكويت بتعويضاتٍ عمَّا خَسِره من نِفط الرُّمَيلةِ، ولكنَّ الكويت لم يوافِق؛ لأنه قدَّم الكثير للعراق أيام الحرب، وقامت بريطانيا بتأجيج الفكرة في رأس صدَّام حُسين، وفي الوقت نفسِه حرَّضت الكويت على عدم الدفع للعراق ما يَطلُبه، واطمأنَّت الكويت أيضًا بحماية أمريكا لها، ثم تقدَّمت الجيوش العراقية في الحاديَ عشَرَ من محرم 1411هـ 2 آب 1990م، واحتلَّت الكويت، ولم تستطِع الكويت مقاومةَ العراق، وقامت القوات العراقية بارتكابِ الكثير من الجرائم، وشُرِّد الكثيرون من الكويت، عَقَدت جامعة الدول العربية اجتماعًا لمناقَشة الوضع، فأيَّدت اثنتا عشرة دولةً دخول القوات الأجنبية، وعارَض ذلك ثمانيةُ دولٍ، وأسهمت بعض الدول كسوريا ومصر في إرسال قوات مساعدة للقوات الأجنبية، واجتمع مجلس العلماء في مكَّة المكرَّمة، وأعطى تأييده المباشر للسعودية، ثم بعد اجتماع القوات فُرض الحصارُ على العراق بكل المستويات برًّا وبحرًا وجوًّا، ثم إنَّ مجلس الأمن قرَّر إلزام العراق بالانسحاب، وأُعطيَ مهلةً وإلَّا أُخرجَ بالقوة، ولم يُبالِ العراق بذلك، وغيَّر اسم الكويت إلى كاظمة، وأنها عادت للأم، وبعد انتهاء المُهلةِ بيومَينِ بدأت القوات المتحالِفة بالهجوم على العراق والكويت بالطائرات في الساعة الخامسة صباحًا من يوم الخميس الثاني من رجب 1411هـ / 17 كانون الثاني 1991م، وأُذيع بأنَّ القوات الجويَّة العراقيَّة قد أُبيدت، وكذلك الحرس الجمهوري، وبدأت العراق تهرُب طائراتُها العسكرية والمدنيةُ إلى إيرانَ، واستمرَّ القَصفُ على العراق والكويت خمسةَ أسابيعَ، وخلال ذلك قامت عدةُ مبادَرات سِلمية، آخِرُها كانت من روسيا، فوافَقَت العراق على الانسحاب خلال ثلاثة أسابيعَ، إلَّا أنَّ أمريكا أصرَّت على أسبوع واحد فقطْ، وحاوَل العراق أنْ يُشرِكَ اليهودَ في الحرب، فأطلَق عدَّةَ صواريخَ عليها، فربما لو اشتركت ينسحِب العرب منَ التحالُف، ولكنَّ هذا ما لم يتمَّ، وأطلقَ كذلك صواريخَ على الرياض عاصمةِ المملكة العربية السعودية، وعلى الجُبيل البحْرية، والظِّهران، وحَفْر الباطن، وعلى البحرَينِ أيضًا، ثم أسرعت روسيا بمبادَرةٍ جديدةٍ، والعراق يُصرُّ على شروط للانسحاب، وأمريكا تُصرُّ على عدم وجود أي شرطٍ، واستطاعت قوات التحالف أن تُكبِّد العراق خسائرَ كبيرة على كافَّة المستويات، ثم بدأت المعارك البريَّة في الساعة الرابعة صباحًا من يوم الأحد العاشر من شعبان 1411هـ / 24 شباط 1991م، بعد ثلاثة أيام من الرمي التمهيدي المكثَّف، وبعد أن قام العراق بإحراق ما يقرُب من 150 بئرًا للنفطِ في الكويت، ممَّا شكَّل طبقة كثيفةً من الدخان الأسود، ليعوق عمل الطائرات، ودفعت بالنفط إلى البحر، بعد تفجير بعض الآبار، وذلك ليعوق محطات تحلية المياه السعودية، وكان العراق يُذيع دائمًا بأنه ينتظر المعارك البريَّة لينتقِمَ من قوات التحالُف، ثم إن قوات التحالُف تقدَّمت على حدود الكويت، واخترقت التحصينات العراقية، وقامت بإنزال بحْري على سواحل الكويتِ، وآخَر جوي في شمال العراق، ووافَق العراق على وَقف إطلاق النار، ولكنَّ أمريكا رفضت، وطالبت بالانسحاب مع ترك كافَّة الأسلحة، ثم وافَق العراق على الانسحاب بناءً على قرار مجلس الأمن، إلَّا أنَّ أمريكا أصرَّت على أن يتعهَّد العراق بدفع الخسائر، وفي الليلة الخامسة من الهجوم البري شهِدت بغدادُ أعنفَ الغارات الجوية، وجرى إنزال جوي خلفَ الوَحْدات العراقية من القوات الأمريكية والفرنسية، وجرت معاركُ بالدبابات، وأذاع كل طرفٍ النصرَ، وفي منتصَف الليل أذاع العراق أنه موافِق على كل شروط الانسحاب، فقام الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب بوقف إطلاق النار بدءًا من الساعة الثامنة صباحًا حسَبَ توقيت بغدادَ ضمنَ شروط منها: إعادةُ الأسرى والكويتيِّين، وإرشاد قوات التحالف على الألغام المزروعة، وغيرها من الشروط، ويتحمَّل صدَّام حُسين كل هذه الخسائر والمآسي بسبب قراراته الخَرْقاء.