الموسوعة التاريخية


العام الهجري : 1418 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1997
تفاصيل الحدث:

نشأ محمود شاكر في بيتِ عِلمٍ؛ فأبوه كان شيخًا لعُلماء الإسكندرية، وتولَّى منصبَ وكيلِ الأزهر لمدة خمس سنواتٍ (1909م-1913م)، واشتغل بالعملِ الوطني، وكان من خُطباءِ ثورةِ 1919م، وأخوه العلَّامةُ أحمد شاكر واحدٌ من كِبار مُحَدِّثي العصر، وله مؤلَّفاتٌ وتحقيقاتٌ مشهورةٌ ومُتداوَلة.
انصرف محمود شاكر -وهو أصغرُ إخوتِه- إلى التعليم المدَني، فالتحق بالمدارس الابتدائية والثانوية، وكان شغوفًا بتعلُّمِ الإنجليزية والرياضيات، ثم تعلَّق بدراسة الأدب وقراءة عيونِه، وحفِظَ وهو فتًى صغيرٌ ديوانَ المتنبي كاملًا، وحضَرَ دروسَ الأدب التي كان يُلْقيها الشيخ المَرْصَفيُّ في جامعِ السلطانِ برقوق، وقرأ عليه في بيته: الكاملَ للمُبَرِّد، والحماسةَ لأبي تمَّامٍ، وبعد حصوله على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) من القسم العِلمي سنةَ 1925م فضَّلَ أنْ يَدرُسَ العربية في كلية الآدابِ.
وفي الجامعة استمعَ شاكرٌ لمحاضرات طه حسين عن الشِّعرِ الجاهلي، وهى التي عُرفت بكتاب "في الشِّعر الجاهلي"، وكم كانت صدمتُه حينَ ادَّعى طه حسين أن الشِّعرَ الجاهلي مُنتَحَلٌ، وأنه كذبٌ مُلفَّق، وضاعَف من شدَّةِ هذه الصدمة أنَّ ما سمِعَه من المحاضر الكبير سبَقَ له أنْ قرأه بحذافيره في مَجلَّة استشراقيةٍ بقلم المستشرِق الإنجليزي مرجليوث؛ فترك الجامعةَ غيرَ آسفٍ عليها وهو في السَّنة الثانية، ولم تُفلحِ المحاولاتُ التي بذلها أساتذتُه وأهلُه في إقناعه بالرُّجوع، وسافَرَ إلى الحجاز سنةَ 1928م مُهاجرًا، وأنشأ هناك مدرسةً ابتدائيةً عمِلَ مديرًا لها، حتى استدعاه والدُه الشيخ، فعاد إلى القاهرة.
وبعد عودته سنةَ 1929م، انصرفَ إلى قراءة الأدب ومطالعةِ دواوينِ شُعراءِ العربية على اختلافِ عصورهم، حتى صارتْ له مَلَكةٌ في تذوق الشعرِ، والتفرِقة بين نَظْمه وأساليبه، وبدأ ينشُرُ بعض قصائده الرومانسية في مَجلتَيِ "الفتح" و"الزهراء" لمحب الدِّين الخطيب، واتصل بأحمد تيمور، وأحمد زكي باشا، والخضر حسين، ومصطفى صادق الرافعي الذي ارتبط بصداقةٍ خاصةٍ معه، ولم يكُنْ شاكرٌ معروفًا بين الناس قبلَ تأليفه كتابه "المتنبي".
وفي ندواته الفِكرية في بيته كان يُعارضُ عبد الناصر عَلانيةً، ويسخَرُ من رجالات الثورة، ويستنكِرُ ما يحدُث للأبرياء في السجون من تعذيبٍ وإيذاءٍ، وكان يفعَل ذلك أمام زوَّاره، ومن بينهم مَن يشغَل منصب الوزارة، ونتيجةً لذلك لم يسلَمْ شاكرٌ من بطشِ السُّلْطة، فألقت القبضَ عليه سنةَ 1959م، وبَقيَ رَهنَ السجن 9 أشهرٍ، حتى تدخَّلت شخصياتٌ عربية، فأُفرج عنه، وعاد لمواصَلة نشاطه في تحقيق كتاب تفسير الطبريِّ الذي بدأ في نَشرِه من قبلُ، وانتظمت ندوته مرةً أُخرى، ثم أُلقيَ به في غياهبِ السجن سنتينِ وأربعةَ أشهرٍ من آخِرِ شهرِ أغسطس سنةَ 1965م، حتى آخرِ شهر ديسمبر سنةَ 1967م.
وفي أُخْريات عُمرِه نال جائزةَ الدولة التقديريَّة في الأدب سنةَ 1981م، ثم جائزةَ الملكِ فَيْصلٍ في الأدب العربي عامَ 1984م، وفي أثناء ذلك اختير عضوًا في مجمَع اللُّغة العربية بدِمَشقَ، ثم بالقاهرة، وتُوفيَ يومَ الخميس الموافِقِ 3 من ربيعٍ الآخِرِ 1418ه.