اضطُرَّت دولةُ الرُّومِ أمام ضَرَباتِ الرشيدِ المتلاحقةِ إلى طلبِ الهُدنة والمصالحة، فعقدت "إيريني" مَلِكةُ الرُّومِ صلحًا مع الرشيد، مقابِلَ دفعِ الجزية السَّنوية له في سنة 181هـ، وظلَّت المعاهدة ساريةً حتى نقَضَها إمبراطورُ الروم، الذي خلَفَ إيريني، وكتب إلى هارون: "مِن نقفور ملكِ الرُّومِ إلى ملِك العَرَب، أمَّا بعدُ؛ فإنَّ المَلِكة إيريني التي كانت قبلي أقامَتْك مقامَ الرُّخِّ، فحَمَلَت إليك مِن أموالها، لكِنَّ ذاك ضَعفُ النِّساءِ وحُمقُهنَّ، فإذا قرأتَ كتابي فاردُدْ ما حصَلَ قِبَلَك من أموالِها، وافتَدِ نَفسَك، وإلَّا فالحربُ بيننا وبينك". فلمَّا قرأ الرشيدُ الرسالةَ ثارت ثائِرتُه، وغضِبَ غضَبًا شديدًا، وكتبَ على ظهرِ رسالة الامبراطور: "مِن هارونَ أميرِ المؤمنينَ إلى نقفور كَلبِ الرُّومِ، قد قرأتُ كتابَك يا ابنَ الكافرةِ، والجوابُ ما تراه دونَ أن تسمَعَه، والسَّلامُ". فشَخَص مِن يَومِه، وسار حتى أناخ ببابِ هرقلة، ففتح وغَنِمَ، واصطفى وأفاد، وخَرَّب وحَرَّق واصطَلَم، فطلبَ نقفورُ الموادعةَ على خراجٍ يؤدِّيه في كلِّ سَنةٍ، فأجابه إلى ذلك.