لَمَّا فعل الرُّومُ ما فعلوا بأهلِ زبطرة وغيرِها، وكانت فِتنةُ بابك قد انتهت، سار المعتَصِمُ بجَيشِه قاصدًا فتحَ عَمُّوريَّة؛ إذ كانت تعَدُّ من أقوى مُدُنِ الروم، بل ربما كانت بمكانةِ القُسطنطينيَّة، فكان أوَّلَ الأمرِ أن التقى الأفشينُ مع الروم وهَزَمَهم شَرَّ هزيمةٍ، ثم سار المعتَصِمُ والأفشين وأشنان، كلٌّ على رأس جيشٍ، متوجِّهينَ إلى عمُّورية وكانت حصينةً ذاتَ سورٍ منيعٍ وأبراجٍ تحَصَّنَ أهلُها فيها، فنصَبَ المنجنيقَ وهدَمَ السُّورَ مِن جهةٍ كانت ضعيفةً دلَّهم عليها أحدُ الأسرى، فبعث نائِبُ البلد لمَلِك الروم كتابًا يُعلِمُه بالأمرِ، ولكن الكتابَ لم يَصِلْ حيث قُبِضَ على الغلامينِ اللذين كان معهما الكتابُ، ثم زاد الضربُ بالمنجنيق حتى انهدم ذلك الجزءُ، لكنه لا يزالُ صَغيرًا على دخولِ الجَيشِ، ثمَّ إنَّ الموكَّلَ بحِفظِ ذلك البرجِ مِن الروم لم يستَطِع الصمودَ، فنزل للقتال ولم يعاوِنْه أحدٌ من الروم, فأمر المعتَصِمُ المسلمين أن يدخلوا البلدَ مِن تلك الثغرةِ التي قد خلت من المقاتِلة، فركب المسلِمونَ نَحوَها، فجَعَلَت الرومُ يُشيرون إليهم ولا يَقدِرونَ على دفاعِهم، فلم يلتَفِت إليهم المُسلِمون، ثم تكاثروا عليهم ودخَلوا البلد قهرًا، وتتابع المسلمونَ إليها يكَبِّرونَ، وتفَرَّقَت الرومُ عن أماكِنِها، فجعل المسلِمونَ يَقتُلونهم في كلِّ مكانٍ حيث وجدوهم، وقد حَشَروهم في كنيسةٍ لهم هائلةٍ ففتحوها قَسرًا وقتلوا من فيها وأحرقوا عليهم بابَ الكنيسةِ، فاحتَرَقت فأُحرِقوا عن آخِرِهم، ولم يبقَ فيها موضِعٌ محصَّنٌ سوى المكانِ الذي فيه نائب عمورية إلى ملك الروم واسمه مناطس في، ثم أُنزِلَ مُهانًا وأَخَذَ المسلمونَ من عمُّورية أموالًا لا تحَدُّ ولا تُوصَفُ، فحَمَلوا منها ما أمكن حمْلُه، وأمر المعتَصِمُ بإحراقِ ما بقيَ من ذلك، وبإحراقِ ما هنالك من المجانيقِ والدبَّابات وآلات الحربِ؛ لئلَّا يتقوَّى بها الرومُ على شيءٍ مِن حربِ المسلمين، ثم انصرف المعتَصِمُ راجعًا إلى ناحية طرسوس.