هو أبو إسحاقَ محمَّد المعتَصِم بالله بن هارون الرَّشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، ثامِنُ الخُلَفاءِ العباسيِّينَ، وُلِدَ سنة 179ه يوم الخميسِ لثماني عشرة مَضَت من ربيع الأول، بُويع بالخلافةِ يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلةً بَقِيَت من رجب سنة ثماني عشرة ومائتين، وبعد ذلك بأيَّامٍ اجتمع جماعةٌ من الجند وشغَّبوا وتحدَّثوا في بيعةِ العبَّاسِ بنِ المأمونِ وأظهروا خلافَ المعتَصِم، ومَضَوا بأسْرِهم إلى مضارِبِ العبَّاسِ فخرج إليهم وقال لهم: أيَّ شيءٍ تُريدونَ منِّي؟ قالوا: نبايعُك بالخلافةِ، قال: أنا قد بايعتُ عمِّي ورَضيتُ به، وهو كبيرى وعندي بمنزلةِ المأمونِ، فانصرفوا خائبينَ، واستمَرَّت في عهدِه فِتنةُ القَولِ بخَلقِ القُرآن, وإنَّما حثَّ المعتَصِمَ على ذلك وحمَلَه على ما فعل به أحمَدُ بنُ أبى دؤادَ؛ لأنَّه كان معتزليًّا، وكان الإمامُ أحمدُ إمامَ السُّنَّة. وحين أحضَرَه المعتَصِم بين يديه سلَّم وتكلَّم بكلامٍ أعجب النَّاسَ، فالتَفَت المعتَصِمُ إلى ابنِ أبى دؤاد، وقال: ذكرتُم أنَّ الرجُلَ عامِّيٌّ، وأراه يذكُرُ بَيتًا قديمًا وشهد له كلُّ من حضر بأنَّه مِن سُراةِ بني شَيبانَ، ثمَّ قال: وذكَرْتُم لي أنَّه جاهِلٌ، وما أراه إلَّا مُعرِبًا فَصيحًا، فأكرَمَ الإمامَ أحمدَ. وكان الإمامُ أحمَدُ بنُ حنبل إلى أن مات يُثني على المعتَصِم ويذكُرُ فِعلَه به ويترحَّمُ عليه. غزا المعتَصِمُ مدينةَ عَمُّوريَّة، وهي من أعظَمِ مُدُنِ الرُّوم كالقُسطنطينيَّة لرَدِّ عدوانِ مَلِك الرومِ على المسلمينَ في زبطرة، فكانت غزوةً مشهورةً نصر اللهُ فيها الإسلامَ والمُسلِمينَ، وكان بدءُ عِلَّتِه أنَّه احتجم أوَّلَ يومٍ في المحَرَّم، واعتَلَّ عِندَها،وكانت خلافتُه ثماني سنينَ وثمانية أشهُر ويومين، وتوفِّيَ بمدينةِ سامِرَّاء.