وقع حِلفُ الفُضولِ في الشَّهرِ الحرامِ, تَداعتْ إليهِ قبائلُ من قُريشٍ, بَنو هاشمٍ، وبَنو المطَّلبِ، وأسدُ بنُ عبدِ العُزَّى، وزُهْرَةُ بنُ كِلابٍ، وتَيْمُ بنُ مُرَّةَ، فاجتمعوا في دارِ عبدِ الله بنِ جُدْعانَ التَّيميِّ؛ لِسِنِّه وشَرفِه، فتعاقدوا وتعاهدوا على ألَّا يجدوا بمكَّة مظلومًا من أهلِها وغيرِهم من سائرِ النَّاس إلَّا قاموا معه، وكانوا على مَن ظلمهُ حتَّى تُرَدَّ عَليهِ مَظلمتُه، وشهِد هذا الحِلفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقال عنه: (لقد شَهِدتُ في دارِ عبدِ الله بنِ جُدْعانَ حِلفًا ما أحبُّ أنَّ لي بهِ حُمْرَ النَّعَمِ، ولو أُدْعى بهِ في الإسلامِ لأَجبتُ). وهذا الحِلفُ تُنافي رُوحهُ الحَميَّة الجاهليَّة التي كانت العصبيَّة تُثيرها، ويُقال في سببِ هذا الحِلفِ: إنَّ رجلًا من زُبَيْد قَدِم مكَّةَ ببِضاعةٍ، واشتراها منه العاصُ بنُ وائلٍ السَّهميُّ، وحَبس عنه حقَّه، فاستعدى عليهِ الأَحلافَ عبدَ الدَّارِ ومَخزومًا، وجُمَحًا, وسَهْمًا وعَدِيًّا فلم يَكترِثوا له، فَعَلَا جبلَ أبي قُبَيْسٍ، ونادى بأشعارٍ يصِف فيها ظلامتَه رافعًا صوتَه، فمشى في ذلك الزُّبيرُ بنُ عبدِ المطَّلب، وقال: ما لهذا مَتْرَكٌ. حتَّى اجتمعوا فعقدوا الحِلفَ الذي عُرف بحِلفِ الفُضولِ, ثمَّ قاموا إلى العاصِ بنِ وائلٍ فانتزعوا منه حَقَّ الزُّبيديِّ. وسببُ تَسميتِه بهذا الاسمِ: أنَّ ثلاثةً من قبيلةِ جُرْهُمَ هُم: الفضلُ بنُ فَضالةَ، والفضلُ بنُ وَداعةَ، والفضلُ بنُ الحارثِ؛ قد عقدوا قديمًا نظيرًا لهذه المُعاهدةِ، فلمَّا أَشبهَ فعلُ القُريشيِّين فعلَ هؤلاء الجُرهُميِّين الأُوَلِ المُسَمَّوْنَ جميعًا بالفضلِ سُمِّيَ الحِلفُ: حِلفُ الفُضولِ.