في هذه السَّنَة فسَدَ الحالُ بين محمد بن أبي الساج وإسحاق بن كنداج- من كبار قادةِ الأتراك في عهد المُعتَمِد- وكانا متَّفِقَين في الجزيرة، وسببُ ذلك أنَّ ابن أبي الساج نافَرَ إسحاق في الأعمالِ، وأراد التقدُّمَ، وامتنع عليه إسحاقُ، فأرسل ابن أبي الساج إلى خِمارَوَيه بن أحمد بن طولون، صاحِبِ مصر، وأطاعه وصار معه وخطَبَ له بأعمالِه، وهي قِنَّسرين، وسيَّرَ ولده ديوداد إلى خِمارَوَيه رهينةً، فأرسل إليه خمارويه مالًا جزيلًا له ولِقُوَّاده، وسار خمارَوَيه إلى الشام، فاجتمع هو وابنُ أبي الساج ببالس، وعبَرَ ابن أبي الساج الفراتَ إلى الرقَّة، فلقيه ابن كنداج، وجرت بينهما حربٌ انهزم فيها ابن كنداج، واستولى ابن أبي الساج على ما كان لابنِ كنداج، وعبَرَ خمارويه الفراتَ ونزل الرافقة، ومضى إسحاقُ مُنهزِمًا إلى قلعة ماردين، فحصره ابنُ أبي الساج، وسار عنها إلى سنجار، فأوقع بقومٍ من الأعراب، وسار ابن كنداج من ماردين نحو الموصِل، فلقيه ابنُ أبي الساج ببرقعيد، فكَمَن كمينًا فخرجوا على ابن كنداج وقتَ القتال، فانهزم عنها وعاد إلى ماردين فكان فيها، وقَوِيَ ابنُ أبي الساج وظهر أمرُه، واستولى على الجزيرةِ والموصل، وخطَبَ لخِمارَوَيه فيها ثمَّ لنَفسِه بعدَه.