هو محدِّث حلب شيخ الإسلام عمر بن عبد الوهاب العرضي، أوحدُ وقته في فنون الحديث والفقه والأدب، أخذ عن محمود البيلوني، ورضي الدين الحنبلي، وبه تخرج، ومن أفخر أسانيدِه روايتُه عن والده عبد الوهاب عن زكرياء عن ابن حجر، ومن أعظم مؤلفاته "شرح الشفاء" في أربعة أسفار ضخامٍ، سماه "فتح الغفار بما أكرم الله به نبيه المختار" اشتغل به نحو اثنتي عشرة سنة، وله "مناهج الوفا فيما تضمنه من الفوائد اسم المصطفى"، وله معجم كبير، وشرحٌ على ألفية السيوطي في الاصطلاح. كانت وفاته بحلب 16 شعبان.
هو الناصر لدين الله الإمام الحسن بن علي بن داود المؤيدي إمام الدولة الزيدية في اليمن. له تبحُّرٌ في علوم عديدة، كالنحو والصرف، والمنطق والمعاني والبيان، والأصول والتفسير، والفقه والحديث، وله رسائل تدلُّ على بلاغته وقوة تصرُّفه، دعا إلى نفسه سنة 984 في نصف شهر رمضان منها، فاجتمعت إليه الزيدية وأجابوا دعوتَه، وبايعوه في بلاد صعدة، وخرج منها بجيش إلى الأهنوم واشتعلت الأرض نارًا بقيامه على الأتراك، ودخل في طاعته بعضُ أولاد الإمام شرف الدين، وأَسَر عبد الله بن المطهر وأودعه السجنَ ثم توجَّه بجند واسع لأخذ بلاد همدان، ففتح أكثرها وخرج الأتراك من صنعاء وأميرُهم سنان، فما زالت الحرب بينهما سِجالًا، وفي سنة 993 افتتح سنان بلاد الأهنوم، وانحصر الإمام الحسن في محل يقال له الصاب، ودُعي إلى السلم فأجاب، وخرج إلى سنان في نصف شهر رمضان منها، وهذا من غرائب الزمان: كونُ قيامه في نصف شهر رمضان، وأسْرُه في نصف شهر رمضان، ثم دخل به سنان إلى صنعاء، فوصل به إلى الباشا حسن فسجنه وقد كان أسَرَ أولاد المطهر بن شرف الدين الأربعة لطف وعلي يحيى وحفظ الله وغوث الدين، وسجنهم مع الإمام الحسن، وفي شهر شوال من هذه السنة أرسل الباشا بهم جميعًا إلى بلاد الترك، وكان آخر العهد بهم، وقد روي أنه مات الإمام الحسن في بلاد الترك محبوسًا في شهر شوال، وله أخبار حسان.
هو السلطان أحمد الأول بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول. ولد في 12 جمادى الثانية سنة 998 (18 ابريل سنة 1590م) تولى السلطنة بعد أبيه ولم يتجاوز سنه الرابعة عشرة إلَّا بقليل, وقام بحجز أخيه مصطفى بين الخدم والجواري. كانت أركانُ الدولة في بداية حكمه غيرَ ثابتة، فنارُ الحرب مستعرة مع النمسا غربًا, ومع الصفويين شرقًا؛ حيث كانت الحرب معهم شديدة الوطأة؛ لتولي الشاه عباس الصفوي قيادتها، مما جعلها أعظمَ من كافة الحروب السابقة, فاضطربت أحوالُ الولايات الشرقية عمومًا، وسعت كلُّ أمة من الأمم المختلفة النازلة بها للحصول على الاستقلال، وكان من أهَمِّ الحركات حركةُ الأكراد بقيادة رجل كردي يلقَّب بجان بولاد، والأمير فخر الدين المعني الثاني الدرزي، وغيرهما، لكنْ قيَّض الله للدولة في هذه الشدة الوزير مراد باشا الملقب بقويوجي الذي عُيِّن صدرًا أعظم، وكان قد تجاوز الثمانين؛ ليكون عونًا وعضدًا للسلطان الفتى، فتقلد مع كِبَرِ سِنِّه ووَهَنِ قواه قيادةَ الجيوش وحارب الثائرين بهمَّة ونشاط زائِدَينِ، فانتصر على فخر الدين الدرزي, وجان بولاد الكردي، واستمال قلندر أوغلي أحد زعماء الثورة في الأناضول، وقبض على آخر يدعى أحمد بك وقتله بعد أن فرَّق جنده بالقرب من قونية، وفي سنة 1608 م انتصر على من بقِيَ من العصاة بقرب وان، وفي السنة التالية قَتَل آخر زعماء الثورة المدعو يوسف باشا الذي كان استقَلَّ بصاروخان ومنتشا وآيدين, وبذلك عادت السكينة وساد الأمن بهمَّة هذا الشجاع الذي لُقِّب بسيف الدولة عن استحقاق, وازدادت في أيام السلطان أحمد العلاقاتُ السياسية مع دول الإفرنج، فجددت مع فرنسا العقود والعهود القديمة مع بعض زيادات طفيفة، وفي سنة 1609 جُدِّدت مع مملكة بولونيا- بولندا- الاتفاقات التي أُبرِمَت معها في زمن السلطان محمد الثالث، وأهمُّ ما بها تعهُّد بولونيا بمنع قوزاق الروسية من الإغارة على إقليم البغدان، وتعهُّد الدولة العلية بمنع تتار القرم من التعدي على حدودها، وفي سنة 1612م تحصلت ولايات الفلمنك على امتيازات تجارية تضارع ما مُنحِتَه كلٌّ من فرنسا وإنكلترا, والفلمنك هم الذين أدخلوا في البلاد الإسلامية استعمالَ التبغ (الدخان) فعارض المفتي في استعمالِه وأصدر فتوى بمنعِه، فهاج الجند واشترك معهم بعضُ مُستخدَمي السراي السلطانية، حتى اضطروه إلى إباحته! وفي الثالث والعشرين من ذي القعدة من هذه السنة توفي السلطان أحمد ودُفِن عند جامع سلطان أحمد، وكانت مدة حكمه أربعة عشر عامًا, ولصِغَرِ سِنِّ ابنه عثمان الذي لم يتجاوَزْ ثلاث عشرة سنةً من عمره خالف السلطانُ أحمد العادة المتَّبَعة من ابتداء الغازي عثمان الأول بتنصيب أكبر الأولاد أو أحدهم مكان والده، فأوصى بالمُلكِ من بعده لأخيه مصطفى الأول.
لم تدُمْ أيام السلطان مصطفى الأول بن مراد الثالث كثيرًا؛ فقد خُلِع من السلطة بعد ثلاثة أشهر وثمانية أيام فقط؛ بدعوى أنَّه لا يعرف بأمورِ الحكم شيئًا، بحُكمِ أنَّه كان طول حياة أخيه أحمد محجوزًا عليه عند الجواري والخَدَم، وقيل: كان ذلك بتدبير فرنسا، ثمَّ تم تولية ابن أخيه عثمان بن أحمد الأول الذي كان ما يزال في الثالثة عشرة من عمره، فكان أول ما عمله أن أطلق سراحَ القنصل الفرنسي ومترجِمه، اللذين كان قد حبسهما عمه مصطفى الأول؛ لتدخُّلِهم في شؤون الدولة العثمانية، ولمساعدة أحد البولونيين على الهرب من السجن، واعتذر عثمانُ من ملك فرنسا عن هذا الحدث!
لما رأى أهل بلاد الهبط ما وقع من افتراق الكلمة وتوقُّد الفتن، بايعوا محمد بن الشيخ المعروف بزغودة، وكان الذي قام بدعوته الشريفَ أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن عيسى بن عبد الرحمن الإدريسي المحمدي اليونسي المعروف بابن ريسون، وهي أم جدة علي نزيل تاصروت، وبايعوه على الكتاب والسنة، وعلى إحياء الحق وإماتة الباطل، فلما بلغ خبَرُه أخاه عبد الله، خرج لقتاله فالتقى الجمعان بوادي الطين واقتتلوا، فانهزم عبد الله وتقدم محمد إلى فاس فدخلها واستولى عليها في شعبان من هذه السنة، وقبض على بعض عمَّال عبد الله فقتلهم واستصفى أموالهم، وفي آخر شعبان وقعت الحربُ بينهما بمكناسة فانهزم محمد ودخل عبد الله فاس في مستهل رمضان من السنة وأظهر العفوَ عن الخاصِّ والعامِّ، ثم قتل أهلُ فاس قائدَه ابنَ شعيب وأخذوا حِذرَهم من عبد الله، ثم وقع قتال بين أهل الطالعة وأهل فاس الجديد ودام أيامًا عديدة حتى اصطلحوا لتاسع رجب من سنة 1029 ثم إن عبد الله خرج لقتال أخيه محمد، فوقعت المعركة بينهما بوادي بهت، فانهزم محمد وفرَّ شريدًا إلى أن قتله ابنُ عمه
انتصر الجيشُ العثماني أيام عثمان الثاني الذي أعلن الجهادَ ضِدَّ بولونيا-بولندا- فأرسل جيشًا من الانكشارية بقيادة الوزير غازي إسكندر باشا، وتمكَّن العثمانيون من إبادة الجيش البولوني الذي كان يبلغ قوامُه ستين ألف جندي، ولم ينجُ من المعركة إلا أربعُمائة جندي بولوني فقط! وكان سبب المعركة هو تدخُّل بولونيا في شؤون إمارة البغدان من المجر. لكنْ حدَثَ الصُّلحُ بعد ذلك بناءً على رغبة بولونيا، وطلب الانكشارية الذين تَعِبوا من مواصلة القتال.
وقَّعت الدولة العثمانية معاهدة "خوتين" مع بولونيا، واتَّفق الطرفان على الصلح بعد اشتعال الحرب بينهما، واتَّفقا على أن تقوم بولونيا بهدم جميعِ القلاع التي شيَّدتْها على حدود الدولة العثمانية، وأن تدفعَ ضريبةً سنويةً إلى القرم التي كانت تخضَعُ للدولة العثمانية, وأن تترك بولونيا قلعة "خوتين" الهامة للدولة العثمانية.
هو الإمامُ العلَّامة زين الدين محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي المناوي القاهري، ولد سنة 952 بمنى، وهي قرية من قرى مصر. كان أعلَمَ معاصريه بالحديث وأكثَرَهم فيه تصنيفًا وإجادةً وتحريرًا، أخذ التفسير والحديث عن النور علي بن غانم المقدسي، والنجم الغيطي، والشمس الرملي، وأخذ التصوُّفَ عن جماعة، منهم الشيخ منصور الغيطي، والشعراني، وغيرهما. قال عبد الحي الكتاني: "لم يخلُ من طاعنٍ وحاسدٍ حتى دسَّ عليه السمُّ؛ لكون أهل عصره كانوا لا يعرفون مرتبةَ عِلمِه ؛لانزوائه عنهم وانقطاعِه للتصنيف". برعَ في الحديث وله مصنَّفات عديدة، منها: فيض القدير في شرح الجامع الصغير, والفتح السماوي بتخريج أحاديث تفسير القاضي البيضاوي, والجامع الأزهر في حديث النبي الأنور, والإتحافات السَّنية بالأحاديث القدسية, والتوقيف على مهمات التعاريف, والكواكب الدُّرية في تراجم الصوفية, وغيرها من الكتب.
هو الخليفةُ عثمان الثاني بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد الأول جلبي بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان غازي بن عثمان بن أرطغرل. وُلِد بإستانبول سنة 1013 ولَمَّا توفي والده أحمد الأول سنة 1026لم يرشِّحْه للخلافة لصِغرِ سِنِّه، ورشح أخاه مصطفى الأول، لكنه لم يلبث على سرير الملك إلا ثلاثة أشهر؛ حيث عزلَه في أول سنة 1027 أربابُ الغايات، وفي مقدمتهم المفتي وآغا السراي، وساعدهم الانكشارية على ذلك لتوزيع الهبات عليهم عند تولية كل ملكٍ جديدٍ، وأقاموا مكانه السلطان عثمان الثاني, وفي بداية حكمه أمر بإطلاق قنصل فرنسا وأرسل مندوبًا لملك فرنسا يعتذر عما حصل من الإهانة لسفيره, وعندما تدخَّلت بولونيا في شؤون إمارة البغدان لمساعدة جراسياني الذي عُزل بناءً على مساعي أمير ترنسلفانيا، اتخذ السلطان عثمان هذا التدخُّلَ سببًا في إشهار الحرب على مملكة بولونيا وتحقيق أمنيتِه، وهي فتح هذه المملكة وجعْلها فاصلًا بين أملاك الدولة ومملكة روسيا التي ابتدأت في الظهور، وقبل الشروع في الحرب أصدر أمرًا بتقليل اختصاصات المفتي ونزْع ما كان له من السلطةِ في تعيين وعزل الموظفين، وجعل وظيفتَه قاصرة على الإفتاء، حتى يأمن شَرَّ دسائسه التي ربما تكون سببًا في عزله، كما كانت سبب عَزلِ سلَفِه، لكن أتى الأمرُ على الضدِّ بما كان يؤمِّل, وبعد أن أتمَّ هذه التمهيدات الداخلية سيَّرَ الجيوش والكتائب لمحاربة مملكة بولونيا، فلما طالت الحربُ طلبت الانكشارية منه الكَفَّ عن الحرب, فحَنِق السلطان على الانكشارية من طلَبِهم الراحة وخلودهم إلى الكسل وإلزامه على الصلح مع بولونيا، فعزم على التخلُّص من هذه الفئة الباغية، ولأجل الاستعداد لتنفيذ هذا الأمر الخطير أمر بحشدِ جيوش جديدة في ولايات آسيا، واهتمَّ بتدريبها وتنظيمها، وشرع فعلًا في تنفيذ هدفه، وعلمت الانكشارية بذلك فهاجوا وماجوا وتذمَّروا واتفقوا على عزل السلطان، وتم لهم ذلك في 9 رجب من هذه السنة ثم قتلوه. بعد أن حكم أربع سنوات وأربعة أشهر, وأعادوا مكانه السلطان مصطفى الأول المخلوع سابقًا!
تولى السلطانُ مصطفى الحكمَ للمرة الثانية إثرَ فتنة الانكشارية، وصارت الحكومةُ ألعوبةً بأيديهم، ينصبون الوزراء ويعزلونهم بحسَبِ أهوائهم، وأصبحت المناصب تُباعُ جِهارًا، وارتكبوا أنواعَ المظالم، وتغير الوزراء الصدورُ في مدَّتِه هذه سبعَ مرَّات خلال عام واحد وأربعة شهور، وكان الخلافُ قد دبَّ بين أمراء الأناضول وفرقة السباهية- الخيالة- على استمرار الوزراء الصدور، حتى إن بعضهم لم يُكمِل شهرًا واحدًا، ونظرًا لضعف السلطانِ وعجزه عن إدارة شؤون البلاد، واستمرارًا لهذا العبثِ، قام الانكشارية بعزل السلطان مصطفى الأول وولَّوا مكانه ابن أخيه السلطان مراد الرابع، ولصغر سنه صارت والدته كوسم نائبةَ السلطنة، تقوم بالأمر دونَه، لكن مقاليد الأمور كانت بيد الانكشارية التي علا شأنُها وازداد نفوذُها!
أعلن والي أرضروم أباظة باشا العصيانَ مدَّعيًا أنه يريد الانتقام للمرحوم السلطان عثمان شهيد الانكشارية، فدخل سيواس وأنقرة، فسار إليه الصدرُ الأعظم حافظ باشا، وبعد معركة قيصرية قضى على هذه الثورة، ثم سار القائدُ حافظ باشا إلى بغداد غير أنَّ الانكشارية لم يستمروا معه في القتال، فعزل بسبب ذلك القائد حافظ باشا، فعاد أباظة باشا للثورة وأحرز نصرًا على الدولة العثمانية، فسار إليه خسرو باشا الصدر الأعظم الجديد، وأدخله في الطاعة وعيَّنه واليًا على البوسنة عام 1037هـ.
هو الفقيه زين الدين مرعي بن يوسف بن أبي بكر بن أحمد الكرمي المقدسي الحنبلي، وهو كذلك مؤرِّخ وأديب، من أهل طولكرم قرب نابلس، درَّس في القدس والقاهرة، وعمل مدرسًا في الجامع الأزهر والمسجد الطولوني، كان من كبارِ فُقهاء الحنابلة، له سبعون مصنَّفًا، منها: أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات، والآيات والفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة، وتحقيق الخلاف في أصحاب الأعراف، وتوضيح البرهان في الفرق بين الإسلام والإيمان، وغيرها من المصنفات.
قام قائدُ الشرطة في بغداد بكير آغا بقتلِ الوالي وتسلَّم الأمرَ مكانه، فأرسلت له الدولةُ العثمانية قوةً بقيادة حافظ باشا، فحاصره في بغداد، فقام بالاتصال بالشاه عباس الصفوي، وعرض عليه تسليمَ المدينة فسار إليه, وفي الوقت نفسِه اتصل آغا بالقائد العثماني المحاصِر له وعرض عليه تسليمَ المدينة على أن يتسلَّم هو ولايتَها، فوافق القائد ودخلت جنودُه المدينة قبل وصول الشاه، ولَمَّا وصل الشاه وألقى الحصارَ عليها مدة ثلاثة أشهر اتصل بابن بكير آغا وأغراه بتسليم الولاية، فوافق وخان الدولة، ودخل الشاه بغداد وقتل بكير آغا وابنَه.
هو السلطان نور الدين محمد جهانكير بن أكبر بن همايون بن بابر الكوركاني المغولي، من سلالة تيمورلنك سلطان الهند، ولِدَ في ربيع الأول سنة 977 بأكبر آباد، وتولى المملكة بعد والده يوم الخميس لأربع عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة 1014، وكان اسمُه سليمًا، سماه به والده على اسم الشيخ سليم بن بهاء الدين السيكروي؛ لأن الشيخ بشَّر به والده قبل ولادته ودعا له، فلما استقلَّ بالملك لقَّب نفسَه نور الدين محمد جهانكير، وافتتح أمرَه بالعدل والسخاء، وقرَّب إليه العلماء، وكان صحيح العقيدة خلافًا لوالده، سمع الحديث من الشيخ محمد سعيد الهروي المشهور بمير كلان، وقرأ عليه شيئًا من العلم بأمر والده، وسمع أيضًا من المفتي صدر جهان البهانوي. تزوج بمهر النساء بنت غياث الدين الطهراني، وكانت عشيقته، فخطبها بعد ما قَتَل بعلها شيرافكن خان، فأبت ثم رضيت، فتزوج بها ولقَّبها نور جهان بيكم، فحُبِّبت إليه وملكت فؤادَه حتى ألقى زمام السلطنة بيدها، فدبَّرت لخَتنها شهريار بن جهانكير من زوجته الأخرى ليولِّيه الملك، ورغَّبت زوجها جهانكير عن ابنه شاهجهان الذي دبَّر الملك لولايته بالمُلك بعده، فوقع الخلافُ بينهما وآل إلى الحرب، وتوفي جهانكير ساخطًا عنه. وكان جهانكير رحيمًا حليمًا كريمًا شاعرًا لطيف الطبع، حسن المعاشرة ظريف المحاضرة، حسن الصورة سليم الذهن، باهر الذكاء فصيح العبارة، له يد بيضاء في التحرير والتحبير، صنَّف كتابًا في أخباره وسماه "تزك جهانكيري" وهو مقبول متداول في أيدي الناس، وصنف في أخباره معتمد خان كتابَه: إقبال نامه، ومرزا كامكار الملقب بعزت خان كتابه مآثر جهانكيري، ومن مصنفات جهانكير بندنامه بالفارسية في أوراق عديدة صنفه لأبنائه، وأمر الشيخ محمد ابن الجلال الحسيني الكجراتي أن يترجم القرآن الكريم بالفارسية ولا يباشر فيه التصنع، ولا يزيد على الترجمة اللفظية حرفًا من جانبه. توفي لثلاث بقين من صفر سنة ست وثلاثين وألف، وكانت مدت حكمه إحدى وعشرين سنة وثمانية أشهر وثلاثة عشر يومًا.
هو الشاه الصفوي عباس الكبير الأول بن محمد خدابنده بن طهماسب بن إسماعيل الأول. ولد عباس في مدينة حيرات الواقعة في أفغانستان في 27/1/1571م. تولى حكم الدولة الصفوية سنة 996 بعد أن تمرد على والده ثم نحاه عن الحكم؛ لأنه لم يستطع ضبط الاضطرابات التي عمت البلاد بسبب ضعف شخصيته, ويعتبر عباس هو رابع حكام الدولة الصفوية ومن أقوى وأشرس حكامها, وقد أعاد لها قوتها كما كانت عليه في عهد إسماعيل الأول, فتمكن من سحق الأكراد والأوزبكية السنَّة الذين يعتبرهم أعداءً للدولة، كما حقق انتصارات على العثمانيين، ودخل في تحالفات مع الدول الأوربية ضد الدولة العثمانية، واهتم بتنظيم الدولة إداريًّا وحضاريًّا، وقد كان سفاكًا للدماء متناقضًا في شخصيته بين التدين والفجور، والعدل والظلم! توفي بعد أن دام في الملك قرابة إحدى وأربعين سنة، ثم تولى بعده صفي بن صفي ميرزا بن عباس.
هو السلطان أبو المعالي زيدان بن أحمد المنصور الذهبي السعدي، زعيم الأشراف في المغرب الأقصى. كان في أيام أبيه مقيمًا بتادلا أميرًا عليها، تولى بعد وفاة والده المنصور سنة 1012حيث اجتمع أهل الحَل والعقد من أعيان فاس وكبرائها والجمهور من جيش المنصور على بيعة ولده زيدان، وقالوا إن المنصور استخلفه في حياته ومات في حجره، وكان المنصور قد عزل ابنه الكبير الشيخ المأمون وسجنه في مراكش لفساده وتمرده، فلما تمت البيعة لزيدان انتفض عليه أخواه أبو فارس ومحمد الشيخ المأمون، فحارباه وهزما جيشه. فلحق زيدان بتلمسان. وجعل يتنقل بين سجلماسة ودرعة والسوس ومعه فلول من جيشه، يدعو الناس إلى مناصرته على أخويه، حتى استجاب له أهل مراكش، فنادوا به سلطانًا سنة 1015, ولكن لم يلبث أن أخرجه منها أخوه المأمون سنة 1016 فلجأ إلى الجبال مدة يسيرة، وعاد فامتلك مراكش في السنة نفسها. وقويت شوكته، فاستولى على فاس سنة 1017 وأخرجه منها أنصار المأمون سنة 1018 واستمر السلطان زيدان مالكًا مراكش وأطرافها إلى أن توفي بعد أن أمضى قرابة السبع وعشرين سنة في الملك، وخلفه بعده ابنه أبو مروان عبد الملك الذي تقاتل مع أخويه الأميرين الوليد وأحمد وهزمهما.
تاج محل بالهند هو مَعلَم معماري هندي يقع في آكرا، يعتبر من أكبر الشواهد على الفنون والعمارة في العهد المغولي. شُيِّد الضريح تخليدًا لذكرى أرجونمد بانو باكام، والتي اشتهرت بلقب ممتاز محل، وكانت هي الزوجة المحظية لدى السلطان شاه جهانكير, والتي توفيت سنة 1631م أثناء إحدى الحملات العسكرية ويقع ضريحها بالقرب من ضريح زوجها الذي توفي سنة 1666م، وتطلَّب تشييد هذا المعلم عشرين عامًا وتجنيد أكثر من عشرين ألف رجل، ويبلغ ارتفاع الضريح المبنى الرئيسي 73 مترًا، نقشت عليه آيات قرآنية، وبعض الرسومات البارزة والتي تعتبر مرجِعًا لدراسة فن الرسم في الهند أثناء العهد المغولي. ينتصب الضريح على منصة مربعة، وعلى كل جانب منها منارة دائرية. إلى يمينه شيِّد مسجد صغير، وإلى اليسار ينتصب مبنى يقال له جواب، أوجد لإحداث توازن (مع المسجد) في الشكل العام للضريح، ولا تقام فيه الصلوات لأنه ليس باتجاه القبلة، بينما تقام في المسجد الآخر الذي يقع في جهة اليسار. يتم الولوج إلى الضريح بعد العبور على الحدائق الواقعة داخل مساحة مطوقة تتخللها بوابة كبيرة. جمعت المساجد والأضرحة الأخرى- للزوجات الأقل حظًّا- بالقرب من المكان. يُوجد النُّصُبان التذكاريان لكل من ممتاز محل وشاه جهان في قاعة ثُمانية الأضلاع، أُنجزت النقوش التي توجد عليهما بطريقة متقنة، وتمت إحاطتهما بستائر مخرومة ومطعمة بالمرمر والأحجار الكريمة. لا يعرف بالضبط صاحب هذا العمل، إلا أنه يرجح أن يكون المهندس المعماري أستاذ عيسى (هو من أصول تركية أو فارسية) إلى جانب خان رومي الذي أشرف على أعمال بناء القبة، ورانمال الذي قام بتخطيط الحدائق.