سيطر الجيشُ الانكشاري على السلطان مراد الرابع في أول أمره لصغره، ثم إنَّه لم يلبث أن عرف أمور الحكم حتى بدأ بالقضاء على طغاة العسكر الذين قتلوا أخاه السلطان عثمان الثاني، وأَعدم جميع المتأسِّدين في إستانبول وفي جميع أنحاء الدولة، وأسَّس تشيكلات قوية للمخابرات وثبَّت من خلالها أسماء جميع المستبدين في الدولة، وكان إذا صادف بلدًا في أسفاره يدعو مستبديها بأسمائهم ويعدمهم، ومنع في عهده الخمر والتدخين وأعدم كلَّ مرتدٍّ عن الإسلام.
هو شيخ الإسلام أخي زادة حسين أفندي تولى منصب المشيخة الإسلامية على أيام السلطان مراد الرابع، ولد في إستانبول عام 980هـ، وبعد أن حصَّل العلم تولى قضاء إستانبول في عام 1014هـ، ثم أصبح قاضي عسكر الأناضول عام 1020هـ، ثم قاضي عسكر الروملي في سنة 1032ه، ثم تولى المشيخة الإسلامية في سنة 1041ه، وكان عالمًا له بعض تعليقات على كتب التدريس، ونظَم الشعر بمخلص هدايي، وأقام مدرسة في مواجهة داره، كما قام بتحويل كنيسة في بلاط إلى جامع. ثم لم يلبث بعد عامين من تعيينه منصب المشيخة الإسلامية أن تم عزله وقتله نتيجة لسعاية البعض؛ وكان ذلك أول قتل لأحد العلماء في الدولة العثمانية، وقد هدف السلطان إلى تأكيد هيبة الدولة التي كانت تواجه عددًا من الأزمات الداخلية، خاصة من بعض طوائف الجيش.
هو السلطان أبو مروان عبد الملك الثاني بن زيدان بن أحمد المنصور الذهبي سلطان السعديين بالمغرب الأقصى، تولى الحكم بعد وفاة والده السلطان زيدان, ولما تمت له البيعة ثار عليه أخواه الوليد وأحمد، فوقعت بينه وبينهما معارك وحروب إلى أن هزمهما واستولى على ما كان بيدهما من العُدة والذخيرة وفَرَّ أحمد إلى بلاد الغرب، فدخل عبد الملك فاس يوم الجمعة الخامس والعشرين من صفر بعد وفاة أبيه بستة وأربعين يومًا، فاتَّسم بسمة السلطان وضرب سكته وفي ثالث عشر شوال من السنة عدا على ابن عمه محمد بن الشيخ المعروف بزغودة فقتله غدرًا بالقصبة، وفي سنة 1037 سجن أخاه أحمد بفاس الجديد. قُتل أبو مروان على يد بعض أهل مراكش بإيعاز من أخيه الوليد، وتولى أخوه الوليد خلفًا له.
أصدر السلطان العثماني مراد الرابع أمرًا بمنع تناول المشروبات الكحولية في أرجاء الدولة العثمانية، وحظَر تناولها على المسلمين حتى في بيوتهم، وأُغلقت الحانات، وهَدَّدت الدولة العثمانية بإعدامِ كلِّ من يشرب الخمر في محلِّ ارتكاب الجريمة.
بدأت المعارك بين العثمانيين والإمام المنصور القاسم بن محمد باليمن عام 1022هـ وانتصرت قوات الإمام وانسحب العثمانيون إلى صنعاء، ثم اضطر القائد جعفر باشا لعقد الصلح مع الإمام، واستمر عامًا واحدًا، ثم تجدد القتال حتى استطاع الإمام السيطرة على شمال اليمن عام 1029هـ ثم توفي من العام نفسه، وتولى ابنه المؤيد الذي استطاع أن يصل إلى أبواب صنعاء حيث جرت في هذا العام بينه وبين العثمانيين معركة اضطرت القائد العثماني لفتح أبواب المدينة، وبدأ العثمانيون بالانسحاب والتراجع، وكان هذا هو الانسحابَ الثاني لهم، ودخل المؤيد زبيد وجزر قمران وجزر فرسان.
بعد وفاة المطهر بن شرف الدين زعيم الجبهة الزيدية وقائد المقاومة عام 980هـ, انتهى دور آل شرف الدين لتعقبهم فترة تدهور للمقاومة ضد الأتراك، واستمر الوضع ربع قرن حتى ظهر الإمام القاسم بن محمد، قائدًا لثورة عارمة ضد العثمانيين، وأسس جيلًا جديدًا من الأئمة الزيدية واستمروا في حكم اليمن بين مد وجزر حتى زمن الثورة الجمهورية عام 1962م، وقد تميَّز تاريخ الفترة اللاحقة بالنضال الدؤوب من قبل اليمنيين جميعًا بزعامة الأئمة من بيت الإمام القاسم بن محمد الذي تمكن من فرض صلح مع الوالي العثماني محمد باشا يحق للإمام بمقتضاه من حكم المناطق الشمالية لصنعاء على المذهب الزيدي المخالف لمذهب العثمانيين السُّني الحنفي، وبعد وفاة الإمام القاسم عام 1029هـ / 1620م, خلفه ابنه محمد الملقب بالمؤيد، وهو الذي تمكن بعد انتقاض الصلح بين الطرفين من مقارعة الأتراك، وتم طردهم نهائيًّا من اليمن عام 1045هـ / 1635م, وصارت بذلك اليمن أول ولاية عربية تخرجُ عن فلك الدولة العثمانية، ولكنَّها عادت إلى اليمن ثانية عام 1266هـ / 1848م أي بعد أكثر من قرنين من الزمان.
كان السلطان عثمان الثاني قد عفا عن فخر الدين المعني الثاني وسمح له بالعودة إلى جبل لبنان، فبدأ من جديد بالتحرُّك للثورة والعصيان على الدولة العثمانية، فثار مرة أخرى في لبنان فنهض إليه والي دمشق وانتصر عليه وأسره وولديه وأرسلهم إلى إستانبول غير أن الخليفة مراد الرابع عاملهم بغاية الكرم رغم أنهم أكثر الناس خيانة باتصالهم الدائم بالصليبيين والطليان خاصة، وهذا ما شجَّع قرقماز حفيد فخر الدين بالتحرك والثورة فأعاد الخليفة النظر, فقتل فخر الدين وابنه الكبير وأرسل إلى قرقماز من أخضعه.
هو السلطان الوليد بن زيدان بن أحمد المنصور الذهبي ملك السعديين في المغرب الأقصى لما قُتل أخوه السلطان عبد الملك بن زيدان سنة 1044 بويع أخوه الوليد بن زيدان فلم يزل مقتصرًا على ما كان لأخيه وأبيه من قبله لم يجاوز سلطانه مراكش وأعمالها، وعظمت الفتن بفاس حتى عُطِّلت الجمعة والتراويح من جامع القرويين مدة ولم يصَلِّ به ليلةَ القدر إلا رجل واحد من شدة الهول والحروب التي كانت بين أهل المدينة؛ فقد اقتسم المغرب أيام أولاد زيدان طوائف، فكان حاله كحال الأندلس أيام ملوك الطوائف. كان الوليد بن زيدان متظاهرًا بالديانة لين الجانب حتى رضيته الخاصة والعامة، وكان مولَعًا بالسماع لا ينفكُّ عنه ليلًا ولا نهارًا إلا أنه كان يقتل الأشراف من إخوته وبني عمه حتى أفنى أكثرهم، وكان مع ذلك محبًّا للعلماء مائلًا إليهم بكليته متواضعًا لهم, وأما وفاته فسببها أن جنده من العلوج طالبوه بمرتبهم وأُعْطياتهم على العادة وقالوا له أعطنا ما نأكل، فقال لهم على طريق التهكم: كلوا قشر النارنج بالمسرة، فغضبوا لذلك وكمن له أربعة منهم فقتلوه غدرًا يوم الخميس الرابع عشر من رمضان من هذه السنة. قيل: "لما ولي الوليد قتل أخاه إسماعيل واثنين من أولاد أخيه عبد الملك، وسبعة من بني عمه، ولم يترك إلا أخاه الشيخ بن زيدان استصغارًا له إذ كان سنه يومئذ إحدى عشرة سنة، وكانت أمه تخاف عليه من الوليد، فكانت تحرسه منه حراسة شديدة، وأمرت نساء القصر بحراسته من أخيه الوليد" ثم إن رؤساء الدولة سئموا ملكته فاتفقوا مع نساء القصر على قتلِه وكان الوليد عازمًا على قتل أخيه الشيخ، فكان من قدر الله أنَّ العلوج قد عزموا على قتله، فكمنوا له في حجرة كان محبوسًا فيها الشيخ، فلما دخل الوليد إلى الحجرة التي فيها الشيخ فوجئ بالأعلاج كامنين له هناك، فلما رآهم فزع وقال ما لكم فرموه بالرصاص، ثم تناولوه بالخناجر حتى فاضت روحه. لما توفي الوليد قام أخوه محمد خلفًا له.
عمل السلطان مراد الرابع على إعادة قوة الدولة العثمانية وعودة عمليات الفتح والتوسع كما كانت عليه في عهد سليمان القانوني، فقاد السلطان العثماني مراد الرابع حملة عسكرية بنفسه لغزو إيران حتى تمكن من الاستيلاء على مدينة "روان" الإيرانية، التي استسلمت بعد 11 يومًا من الحصار. وكان العثمانيون يسيطرون على المدينة منذ سنة 1583م حتى 1604م، ثم فقدوا السيطرة عليها 31 عامًا كانت فيها خاضعة لحكم الصفويين.
قامت حرب بين أهل الأندلس واللمطيين، وانتُهبت فيها السلع التي بسوق القيسارية- السوق الكبير- وسوق العطارين، وبنى اللمطيون الدرب الذي بباب العطارين، واستمرت الحرب نحو ثمانية أيام ثم اصطلحوا، وكان سببها مقتل أحمد ولد ابن الأشهب على يد علي بن سعد في جامع القرويين وهو في صلاة العصر، وذلك في رابع جمادى الأولى من هذه السنة.
اندلعت الحرب مع الشيعة الصفوية في العراق عام 1044هـ/1634م، فقاد السلطان مراد الرابع الجيوش بنفسه واتجه إلى بغداد، وكان عباس شاه فارس قد استولى عليها وقتل واليها العثماني وأذل أهل السنَّة بها وعمل بهم الأفاعيل، فحاصر السلطان مراد بغداد وهدم جزءًا كبيرًا من أسوارها بالمدفعية ودخلها, وقتل من جنود الشيعة عشرين ألفًا، ثم أقام بها مدة جدَّد عمارتها، وأصلح ما تهدم من أسوارها، وعين لها وزيرًا، وكان هذا السلطان يباشر الحروبَ بنفسه، ثم تم الاتفاق بين الدولتين على أن تسترد إيران مدينة إيريفان وأن تتخلى عن مدينة بغداد.
هو الصدر الأعظم طيار محمد باشا بن أوجار مصطفى باشا رئيس وزراء الدولة العثمانية. ولد في لاديك قرب البحر الأسود، وتولى الصدارةَ العظمى لفترة وجيزة في عهد السلطان مراد الرابع, لقِّب بالطيار لسرعته في العمليات الحربية. قُتل طيار محمد باشا أثناء حصار العثمانيين لبغداد التي استولى عليها الإيرانيون منذ عام 1624م. وكان طيار هو رابع رئيس وزراء عثماني يُقتَل في ساحة الحرب، وكان والده أوجار مصطفى باشا قد قُتل قبل سنوات برصاصة إيرانية أثناء حصار بغداد أيضًا.
هو السلطان مراد الرابع بن أحمد بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول، هو السلطان العثماني السابع عشر، ولد بإستانبول سنة 1021 جلس للحكم بعد عمه باتفاق من الأركان على عزل عمه مصطفى الأول، يوم الأحد الرابع عشر ذي القعدة سنة 1032 وله من العمر أحد عشر عامًا، فبايعه الأعيان، ثم فرق إنعامات الجلوس عليهم, وقد عمل السلطان مراد على استعادة هيبة الدولة وقوتها، فتولى هو ووزراؤه قيادة الجيوش وحقق عددًا من الانتصارات, وكان السلطان مراد يجيد التحدث باللغة العربية والفارسية فضلًا عن التركية، ويكتب قصائد تحت اسم مرادي. مرض السلطان مراد الرابع بن أحمد الأول سنة 1640م, وكان يُخشى عليه من الموت ولكن شفي, ثم مرض من جديد وتوفي في هذا العام؛ بسبب مرض النقرس بعد أن دام حكمه 16 سنة و11 شهرًا، ولم يكن قد عقب ولدًا ذكرًا، ولم يكن بقي من نسل آل عثمان غير أخيه إبراهيم بن أحمد الأول، فتولى الخلافة بعده، والذي كان مسجونًا مدة سلطنة أخيه، ولما توفي أخوه أسرع كبار المملكة إلى مكان الحبس ليخبروه بذلك، فعندما قدموا عليه ظنَّ أنهم قادمون لقتله، فخاف وذعر ولم يصدِّقْ ما قالوه له؛ ولذلك لم يفتح لهم باب السجن، فكسروه ودخلوا عليه يهنئونه، فظن أنهم يحتالون عليه للاطِّلاع على ضميره، فرفض قبَول الملك بقوله: إنه يفضل الوَحدةَ التي هو بها على مُلك الدنيا، ولَمَّا أن عجزوا عن إقناعه حضرت إليه والدته وأحضرت له جثة أخيه دليلًا على وفاتِه، وحين ذلك جلس على سرير السلطنة، ثم أمر بدفن جثة أخيه باحتفال وافر.
هو شيخ الإسلام يحيى بن زكريا بن بيرام مفتي الديار العثمانية في عصره. تركي الأصل، مستعرب. ولد سنة999 في إستانبول ونشأ بها. تولى قضاء الشام ثم نقل إلى قضاء مصر وعُزل، فولي قضاء بورصة، ثم قضاء أدرنة، ثم قضاء إستانبول, عُزل وولي مرارًا، وما زال يتنقل إلى أن توفي في الروم إيلي. وكان له في عصره شأن رفيع عند السلطان، جُمعت فتاواه في كتاب سُمِّي فتاوى يحيى، له نظم منه تخميس البردة.
كانت جمهورية البنادقة تهيمن على جزيرة كريت وعلى الحركة التجارية في بحر إيجة، مستغلين الصلح مع الدولة العثمانية، فعزم العثمانيون على تدمير نفوذ البنادقة في الشرق، فجُهِّزت الجيوش والأسطول وأُعلنت الحرب على البنادقة، واعتقل جميع البنادقة في طول البلاد وعرضها، وأُمر بمصادرة أموالهم وممتلكاتهم، ثم أمر السلطان إبراهيم بتجهيز عمارة بحرية قوية لفتح جزيرة كريت لأهمية موقعها الجغرافي الحربي عند مدخل بحر أرخبيل اليونان، ولتوسطها في الطريق بين الآستانة وولاية الغرب، فجُهزت الدونانمة وسارت باحتفال زائد تحت قيادة من يدعى يوسف باشا إلى أن ألقت مراسيها أمام مدينة خانية أهم ثغور الجزيرة في 29 ربيع الآخر من هذه السنة، وافتتحها بدون حرب تقريبًا؛ لعدم وصول الدونانمة البندقية إليها في الوقت المناسب، فانتقم البنادقة بحرق ثغور بتراس وكورون ومودون من بلاد مورة، ويقال إن السلطان أراد في مقابلة ذلك قتل جميع النصارى لولا معارضة المفتي أسعد زاده أبي سعيد أفندي.