بعد دخولِ الإمام عبد العزيز بن محمد الرياضَ، أرسل إلى زيد بن زامل رئيس الدلم يذكِّره الالتزامَ بالعهد الذي بينهم, فلم يلتفِتْ زيد لهذا العهدِ، وأخذ يؤلِّبُ على الدرعية، فأرسل إلى المكرمي رئيسِ نجران يستحِثُّه على حرب الدرعية ويبذلُ له المالَ، ولم يستجب له، حتى طلب منه مزيدًا من المالِ، فبذل له زيدٌ كُلَّ ما طلب مقابِلَ أن يرسِلَ له رهائِنَ مِن قومِه إلى أن يتِمَّ مقصودُه، فأرسل النجراني رؤساءَ قَومِه رهائِنَ.
هو علي بك الكبير مملوكي حكم القاهرة كشيخ البلد أيام الدولة العثمانية, وكغيره من المماليك، لا تُعرف أصولُهم وإنما يُشتَرَون صغارًا، ثم يُجلبون لتركيا فيعتنقون الإسلام ثم يتربَّون تربية عسكرية صارمة، ويبدؤون في الصعود إلى مناصِبَ عليا والسيطرة على مقاليد الأمور، ويقال إن علي بك ابن قسيس رومي أرثوذكسي من قرية أماسيا في الأناضول. ولد سنة1140 ثم خُطِفَ وهو في الثالثة عشرة من عمره وبيع في القاهرة، فاشتراه الأمير إبراهيم كتخدا وبدأ معه رحلة التدريب والتعلُّم، حتى ظهرت عليه علامات النجابة وقوة الشخصية، حتى فاق أقرانَه في ركوب الخيل، والضربِ بالسيف، والطعنِ بالرمح، واستخدام الأسلحة النارية، وهو ما جعل سيِّدَه يعتقه وهو لم يتجاوز العشرين، وولَّاه بعضَ المهام الإدارية، إلى أن توفي أستاذه إبراهيم كتخدا سنة 1167هـ فخلفه في مناصبه الإدارية, وهو يتطلَّع إلى منصب مشيخة البلد، فأخذ يعدُّ العدة بشراء أعداد كبيرة من المماليك ويدرِّبُهم على الفنون العسكرية إلى أن جاءت سنة 1177 حيث تبوأ منصِبَ مشيخة البلد بالقاهرة، لكنَّ خصومَه أجبروه على الفرارِ إلى الصعيدِ ثم الحجاز وتارة إلى الشام، ثم عاد لمنصب مشيخة البلد عام 1181 وهو أعظم قوةً وأكثرُ عددًا، ولما استتَبَّ له الأمر تخلَّص من خصومه، فصادر أموالهم، وقتل بعضَهم ونفى البعض الآخر، ولم يسلَمْ من هذه الإجراءات حتى من قدَّموا له العونَ والمساعدة، فبطش ببعضهم ونفاهم إلى خارج البلاد. ثم ثار عليه تلميذُه وزوجُ بنته محمد بك أبو الذهب الذي تمكن من السيطرة على مصر وحكَمَها بعد فرارِ علي بك إلى الشام, ولَمَّا عاد علي بك في مطلع عام 1187هـ سار إلى مصر ومعه أربعمائة جندي روسي، فالتقى الطرفان وانتصر أبو الذهب عليهم في معركة بالصالحية بمصر، وقتل كلَّ من كان مع علي بك، الذي توفي فيما بعد متأثرًا بجراحِه بعد أن سعى للانفصال عن الدولةِ العثمانيةِ بدعمٍ وتأييدٍ من روسيا العدو اللَّدود للدولة العثمانية, فأرسل أبو الذهب رأسَ علي بك والضباط الروس إلى الوالي العثماني خليل باشا، فقام بدوره بإيصالها إلى السلطان في إستانبول, وتولى الحكم مكانَه محمد أبو الذهب الذي لم يلبث في الحكم سوى عامين ثم توفي.
هو الخليفة العثماني مصطفى الثالث بن أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول، ولِدَ عام 1129. ولِيَ الحُكمَ بعد ابنِ عَمِّه عثمان الثالث، وكان عمُرُه حينذاك 42 عامًا. كان ميالًا للإصلاح محبًّا لتقديم بلاده، خصوصًا وزيره الأول الصدر الأعظم راغب باشا الذي أخذ في إصلاحِ بعضِ الشؤون بمساعدة السلطان وتعضيدِه له، فعَهِد بإدارة الأوقاف العمومية إلى أحد أغوات السراري قيزار أغاسي، وأسَّس مستشفيات للحجر على الواردات الخارجية؛ إذ كانت الأوبئة منتشرة في الخارج؛ لعدم تعديها إلى الممالك المحروسة، وأنشأ مكتبة عمومية على مصاريفه الخاصةِ، وفكَّر في طريقة غريبة لتسهيل المواصلاتِ داخِلَ المملكة منعًا لحصول الغلاء والمجاعات في إحدى الولايات، وذلك أن يصِلَ بين نهر دجلة وبوغاز الأستانة بخليج عظيم تستعمل الأنهار الطبيعية مجرى له على قدر الإمكان، فيسهُل نقلُ الغلالِ مِن أطراف المملكةِ إلى الأستانة فيمتَنِع عنها الغلاء كليةً، وهو مشروعٌ جليلٌ يَقدُره العارفون حقَّ قَدرِه. توفي مريضًا من حزنِه في حروب روسيا، في ربيع الأول بعد أن دام في الملك ست عشرة سنة وثمانية أشهر، وتولى بعده أخوه عبد الحميد الأول الذي كان محجوزًا في قصرِه مدَّةَ حكم أخيه مصطفى الثالث.
غزا الإمامُ عبد العزيز بن محمد بن سعود الرياضَ في صفَر, فنازل أهلَها أيامًا عديدة وضيَّق عليهم واستولى على بعضِ برودِها وهدم أكثَرَها وهدم المرقابَ، وحصل بينهم قتالٌ قُتِل فيه عددٌ من أهل الرياض، وكانت هذه الغزوةُ. يقول ابن بشر: "بعد هذه الوقعة دخل قلبَ دهام الرعبُ والخجَلُ، ودخله الخوفُ والوجَلُ، فلم تستقرَّ له عينٌ, وقام يحاول الانهزامَ، وجمع رؤساءَ بلَدِه وأخبَرَهم بحقيقة مقصِدِه وأنه ملئَ خوفًا ورعبًا، فصاحوا عليه بأجمَعِهم وقالوا: خذ منا العهدَ والميثاقَ، فقال لهم: دعوني، فليست هذه البلدُ لي وطنًا، ولا أجد لي بها أنسًا ولا سكنًا" فلما انتصف ربيع الثاني من هذا العام سار عبد العزيز للمرَّةِ الثانية في هذا العام لغزوِ الرياضِ، فلمَّا قَرُب منها جاءه البشير بأنَّ ابنَ دواس قد هرب من الرياض، فحَثَّ عبد العزيز السيرَ إليها فدخلها بعد أن ألقى اللهُ في قلب دهام الرعبَ، فخرج منها هو ونساؤه وعياله وأعوانه. يصف ابنُ بشر خروجَ ابن دواس من الرياض ودخولَ الإمام عبد العزيز بن محمد بقوله: "وهذا شيء حدث، فإنَّه ما خاف من أهل بلدِه خيانةً، بل كلُّهم صادقون معه، ولا حصل عليه تضييقٌ يُلجِئه إلى ذلك، والحرب بينه وبين المسلمين له وعليه، ولكنَّ الله سبحانه جعلها آيةً لِمن افتكر، وعبرةً لمن اعتبر. قيل إنه انتفخ سَحرُه وطاش قلبُه ولبُّه، فقام فزعًا مرعوبًا وركب خيلَه وركابَه، فلما ظهر من القصر، قال: يا أهل الرياض، هذا لي مدة سنين أحارب ابنَ سعود، والآن سئمت من الحرب، فمن أراد أن يتبعني فليفعَلْ, ففَرَّ أهل الرياض في ساقتِه الرجال والنساء، هربوا على وجوههم إلى البَرِّ، وقصدوا الخرجَ، وهلك منهم خلقٌ كثير عطشًا وجوعًا.. والرجل من أهل الرياض يأخذُ الغرب- نوع من الدلو كبير-يجعل فيه ماء ويحمله على ظهرِه، والغرب لا يمسِكُ الماء، والإبل عنده لا يركَبُها، وتركوها خاويةً على عروشها: الطعام واللحم في القدور، والسواني في المناحي، والأبواب لم تغلق, وفي البلدِ مِن الأموال ما يعجِزُ عنه الحصر, فلما دخل عبد العزيز الرياضَ نادى فيها بالأمانِ، فرجع كثيرٌ منهم وسكنوها، وحاز عبد العزيز ما فيها من أموالِ الهاربين من السلاحِ والطعام والأمتعة وغير ذلك، ومات ممَّن مع دهام في هزيمتِه أربعمائة.. وقد أقام هذه الحرب سبعة وعشرين سنة، وذكر لي أنَّ القتلى في هذه المدة نحو أربعة آلاف رجل: من أهل الرياض ألفان وثلاثمائة, ومن المسلمين ألف وسبعمائة". وقد ترتَّب على خروج دهام بن دواس نهائيًّا من الرياض منهزمًا, وقُضِيَ على أعتى خصوم الدعوة في نجدٍ, ودخول الرياض تحتَ حُكمِ دولة الدرعية.
كانت الدولة العثمانية قد دخلت في حرب طاحنة دامت ست سنوات مع روسيا من 1181 إلى 1187هـ/ 1768 – 1774م، مُنِيَت فيها الدولة العثمانية بهزائِمَ أليمة، أجبرتها على عَقدِ معاهدة مخزية في 13 من جمادى الأولى من هذه السنة, وهي المعروفة باسم معاهدة كيتشوك كاينارجي، أو "كوجك قينارجه" في مدينة قينارجة في بلغاريا على البحر الأسود، استطاعت روسيا من خلالِ هذه المعاهدةِ أن تحقِّق نصرًا عظيمًا على العثمانيين؛ حيث حقَّقت فيه آمالَها بأن يتحوَّل البحرَ الأسودَ مِن بحيرة عثمانية خالصة إلى بحيرة عثمانية روسية، أصبحت الملاحةُ الروسيةُ تتمتع بحُرِّية التنقُّل في البحر الأسود دون قيدٍ أو شرط. وقد تضمَّنت المعاهدة 28 مادة، ومادتين منفصلتين، وعدة شروط، منها: أن يحصُلَ الروس على حَقِّ رعاية السكان الأرثوذكس في البلاد العثمانية، وكان من شأنِ هذا البند أن تتدخَّل روسيا في شؤون الدولة العثمانية بصورة مستمرة. في لقاءِ قيصر روسيا والسفير الإنجليزي، لم تكتف روسيا بما حصَلَت عليه من مكاسِبَ من الدولة العثمانية، وإنما امتَدَّ بصرها إلى تمزيق الدولة، وتوزيع ممتلكاتها, ومن بنود المعاهدة إزالةُ العداوة بين الدولة العثمانية وروسيا، وحلولُ الصلح، وصيانةُ الاتفاقات من التغيير، والعفوُ عن الجرائم التي اقترفها رعايا الطرفين. عدمُ حماية الرعايا الملتَجِئين أو الفارِّين أو الخَوَنة ضمِن الشروط. اعتراف الطرفين بحرية بلاد القرم بلا استثناءٍ واستقلالها، ولهم الحريةُ التامة بانتخاب خان لهم دون تدخُّل، ولا يؤدون ضريبة. وباعتبارهم مسلمين فإنَّ أمورهم المذهبية تُنَظَّم من قبل السلطان بمقتضى الشريعة الإسلامية. سحب القوات العثمانية من القرم وتسليم القلاع، وعدم إرسال جنودٍ أو محافظ عسكريٍّ. حرية كل دولة في بناء القلاعِ والأبنية والتحصينات وإصلاحِ ما يلزم منها. تعيينُ سفير روسي في الأستانة من الدرجة الثانية، والاعتذارُ له رسميًّا عما يحدث من خلل. تعهُّد الدولة العثمانية بصيانةِ الحقوق والكنائس النصرانية في أراضيها، ومنح الرخصة من الخَلَل. حرية زيارة رُهبان روسيا للقُدسِ والأماكن الأخرى التي تستحِقُّ الزيارة مُرَخَّصٌ بها دون دفع جزيةٍ أو خراجٍ، ويُعطَون التسهيلات والحماية أثناء ذلك. حريةُ الملاحة للرُّوس في كافة الموانئ العثمانية في البحرين الأبيض المتوسط والأسود مضمونةٌ، وكذلك حريةُ تجارة الرعايا الروس في البلاد العثمانية برًّا وبحرًا مكفولةٌ، وللتجارِ الروس حريةُ الاستيراد منها والتصدير إليها والإقامة فيها. ويحقُّ لروسيا تعيينُ القناصل في كافة المواقع التي تراها مناسبة. يجب على الدولة العثمانية التعهُّدُ ببذل جهدِها في كفالة حكومات الولايات الإفريقية إذا ما رغب الروسُ بعقد معاهدات تجارية فيها. يحقُّ للروس بناء كنيسة على الطريق العام في محلةٍ بكل أوغلي في غلطة بإستانبول غير الكنيسة المخصِّصة، وتكون تحت صيانة سفير روسيا، وتؤمَّنُ الصيانة الكاملة لها والحراسةُ التامة خوفًا من التدخل. إعادةُ بعض المناطق للدولة العثمانية من روسيا بشروط: منها العفوُ العام عن أهاليها، وحريةُ النصارى منهم من كافةِ الوجوه، وبناءُ كنائس جديدة، ومنح امتيازات للرهبان، وحرية الهجرة للأعيان، وعدم التعرُّض لهم، وإعفاؤهم من تكاليف الحرب والجزية. يرُدُّ الروس جزائر البحر الأبيض المتوسط التي هي تحتَ حُكمِهم للدولة العثمانية التي يجِبُ أن تعفو عن أهلِها وتعفيهم من الرسومِ السنوية وتمنَحَهم الحرية الدينية وترخِّصَ لِمن يريد منهم ترك وطنهم. كما ذُكِرَت بنود أخرى تتعلَّقُ ببعض المناطق في القرم، وبتدابير الانسحاب، وإخلاء الأفلاق والبوجاق والبغدان، وبتسريح الأسرى، وتعيين السُّفراء من أجل المصالحةِ، وتعهدت الدولة العثمانية بتأدية خمسة عشر ألف كيسًا لروسيا في مدة ثلاث سنين يُدفَعُ منها في كل سنة قِسطٌ، وهو خمسة آلاف كيس!!
بعد أن استطاع أبو الذهب محمد بك أن يقضيَ على فتنة علي بك ومَن معه من الروس، وكان ظاهر العمر من شركاء علي بك، لكنه كان في عكا متملكًا لها، فأمر السلطانُ عبد الحميد واليَه أبا الذهب محمد بك بملاحقة ظاهر العمر والقضاء عليه فهرب ظاهر إلى صفد فارًّا من محمد بك الذي بقي محاصِرًا له في جبال صفد إلى أن استطاع أن يقتُلَه في هذا العام.
شَنَّ خالدُ بن عريعر هجومًا عاصفًا على منطقة القصيم، وركز هجومَه على بلدة بُريدة، ونجح في إقصاء أميرِها عبد الله بن حسن وأسرته الموالين للدرعية، وعيَّن عليها راشِدًا الدريبي المناهض لإمارة الدرعية ودعوة الشيخ، وتشجَّع عريعر على مهاجمة الدرعية نفسِها، إلا أنَّه توفي في الخابية قرب النبقية بعد شهرين من انسحابِه مِن بُريدة.
أقبل أهلُ نجران وجميعُ قبائل يام ومعهم أهلُ الوادي وغيرُهم بقيادة رئيس نجران المكرمي, وكان حويل الودعاني مع زيد بن زامل قد بذلوا له الأموال سنة 1187 ليغزو نجدًا؛ وذلك لما عهدوا منه قُوَّته حين هزم جيش الدرعية في الحاير سنة 1178 فسار معه أهل الخرج ومن حولهم، واجتمع مع المكرمي جموعٌ تضيقُ بها القِفارُ ولا تسقيهم الآبارُ والأنهار, وأرسل إليه بطين بن عريعر من النقدِ ما يزيد على ستة آلاف مشخصٍ، وأحمالًا من الطعام، فأقبل بجنوده ونزل الحاير المعروفَ بحاير سبيع، وتلاحقت باقي جنوده عليه، وحصل قتالٌ مع أهل الحاير أيامًا، ثم هجم على ضرما، وكان الإمام عبد العزيز أرسل مددًا إلى الرياض لحمايتِه، وأرسل ابنُه سعود بمددٍ لدعم أهل ضرما، فلما قصد النجراني ضرما ودخل بعض نخيلها حاربه أهلُها حربًا شديدةً وقتلوا من رجاله عددًا كثيرًا حتى خذله الله وارتحل هو ومن معه من الحلفاءِ راجعين إلى أوطانهم، وتفَرَّقوا ولم تقم لهم قائمةٌ، وندموا على ما بذلوا من الأموالِ العظيمةِ!
سار سعودُ بن عبد العزيز وقَصْدُه بريدة، ومعه آل عليان الذين خرجوا منها سنة 1188 عندما أخذها عريعر بن دجين عنوةً, وفرض عليها حصارًا وبنى تجاهها حِصنًا جعل فيه عدَّةَ رجال عبد الله بن حسن أميرًا عليهم يواصِلُ منه الحصارَ على بريدة، فلما اشتد الأمر بأهل بريدة أرسل أمير البلد راشد الدريبي إلى عبد الله بن حسن الأمانَ لنفسه وأن يخرجَ لوحده فأعطاه الأمان وخرج إليه راشد، ثم دخل عبد الله ومن معه البلد وملكوها، وقُتل في ذلك الحصار 50 رجلًا من قوم الدريبي، واستولى عبد الله على ما فيها من الأموالِ، وبعد هذه الواقعة انقاد أهلُ القصيم وبايعوا على السَّمعِ والطاعة، ووفد عبد الله ومعه رجالٌ من رؤساء القصيم على الشيخِ والإمام عبد العزيز فبايعوهما على السمع والطاعة، واسُتعمل عبد الله بن حسن أميرًا على جميع بلدانِ القصيم.
قَدِمَ رئيس الدلم زيدُ بن زامل ومعه أناسٌ من أعيان قومِه على الإمام عبد العزيز في الدرعية فجأةً، فبايعوا على الإسلامِ والسمع والطاعة، والالتزام بإقامة الشريعة في بلادِهم، فطلب منه عبد العزيز أنواعًا من السلاح والخيل, فلما أرسله أخذ عبد العزيز البعضَ منه وردَّ له البعض الآخرَ ترغيبًا له وتأليفًا. لكنَّه نقض العهدَ في السنة التالية.
هو الشَّيخُ صُباح الأولُ بن جابر بن سَلمان بن أحمد العتبي. في سنة 1129هـ اتفق ثلاثةٌ من رؤساء القبائل التي سكَنَت الكويت وهم: صُباح بن جابر بن سلمان بن أحمد، وخليفةُ بن محمَّد، وجابر بن رحمة العتبي رئيس الجلاهمة، على أن يتولَّى صُباح الرئاسةَ وشؤونَ الحُكمِ، وأن يتشاورَ معهم، ويتولَّى خليفة شؤونَ المال والتجارة، ويتولى جابر بن رحمة شؤونَ العمل في البحرِ، وتقسَّم جميعُ الأرباح بينهم بالتساوي, ثم حاول صُباح أن يقوِّيَ مركزَه في الكويت فتمكَّن من حصولِ اعتراف الوالي العُثماني في بغداد، ومنَحَه لقبَ قائم مقام سنة 1130هـ، كما اعترف له أمير الأحساء سعدون بن غرير بحُكم الكويت، بحيث لا ينضَمُّ لخصومه وأن ينفِّذَ جميعَ أوامره وأوامِر من سيأتي بعده, وتوفِّي صباح في هذا العام وتَرَك من الأبناء سلمان ومحمد ومبارك وعبد الله الذي خلَفَه في الحُكم.
أسندت الدرعيةُ إمارةَ بُريدة وما يتبعها إلى حجيلان بن حمد العليان بعدَ مقتَلِ أميرها عبد الله بن حسن في وقعةِ مخيريق, فنجح حجيلان في توطيدِ حُكم الدرعية هناك، وقام بكثيرٍ مِن الغزوات لمصلحةِ ذلك الحُكمِ، ومَدَّ رقعتَه، وظلَّ أميرًا نَشِطًا في غزواته حتى قضى إبراهيم باشا على الدولة السعودية الأولى، فأُخِذَ حجيلان إلى المدينة النبوية عام 1234هـ، وتوفِّيَ فيها بعد وصولِه إليها بقليل.
سار الإمام عبد العزيز بجنودِه، وقصد عربان آل مرة في أرض الخرجِ, وكانوا قد اجتمعوا فيها وتأهَّبوا للحرب والقتالِ، فشَنَّ عليهم عبد العزيز غارةً في الصباح الباكر، فتفازع العربان وحصل قتالٌ شديد، وكانت الغارة على العربان في شعبٍ ضَيِّق، فأمسك العربان مدخَلَ الشِّعبِ ولم يكن لعبد العزيز مصدرٌ غيرُه، فوقعت الهزيمةُ على عبد العزيز وألجأهم العُربان إلى عقبة وعرة تسمى مخيريق الصفا، فوقع فيها كثيرٌ مِن الركاب والرجال، وقُتِل منهم خمسون رجلًا، منهم أمير القصيم عبد الله بن حسن.
فشلت الحملة الأسبانية، التي انعقد لواؤها للسيطرة على الجزائر، وكانت الحملةُ تتكوَّن من 22 ألف جندي، وخَسِرَ الأسبان في هذه الحملة 7 آلاف قتيل، وهو ما أثار استياءَ الملك كارلوس الثالث في مدريد، في حين أقام العثمانيون الأفراحَ في إستانبول بهذا النصر.
أجمع أهلُ حرمة- وهي بلدة في المجمعة- الغدرَ بأميرهم عثمان بن عبد الله، وكان رئيسُهم في الغدر جويسرَ الحسيني الذي اتَّفَق مع سويد بن محمد صاحب جلاجل وأحمد بن عثمان أمير المجمعة على الغدر بأتباع الدعوة في بلدانِهم, فلمَّا أجمعوا على إنجازِ ما اتَّفَقوا عليه، أرسلوا إلى كبار أتباع الدعوةِ في المجمعة ليأتوا إلى حرمة؛ ليُعَلِّموا أهلَها، فلما جاء بعضُهم حرمة، كان أمير حرمة عثمان في نخلٍ له خارِجَ البلدةِ، فأرسل جويسر من يخبِرُه بقدوم ضيوفٍ مِن المجمعة، فلما رجع اجتمع عليه ستةُ رجال منهم أخوه خضير بن عبد الله، وابن عمه عثمان بن إبراهيم، فقَتَلوه، ثم بادروا لمن جاء من المجمعة فحَبَسوهم, ثم ساروا إلى المجمعة ليستولوا على قلعتِها وقَتل من فيها من أتباع الدعوة، لكِنَّ أهل المجمعة تنبَّهوا لهم فتحصَّنوا في القلعة، فلم يستطيعوا اقتحامَها، فرجعوا خائبين, ثم أرسلَ أهل المجمعة إلى عبد العزيز لإخبارِه بما وقع لهم على يدِ أهل حرمة, فأمرَ ابنَه سعودًا أن يسيرَ إلى حرمة، فسار معه جميعُ أهل البلدان من العارض، فنزل بالهضبة المحيطة بحرمة، وبقي يقاتل أهلَها ليلًا ونهارًا مدَّةَ أيام، وقُتِلَ من الفريقين رجالٌ, فلما أجهد الحصارُ أهل حرمة طلبوا الصلحَ مِن سعود فقَبِلَ بشرط أن يُطلِقوا الأسرى الذين عندهم من أهلِ المجمعة وأن يرحَلَ جويسر الحسيني عن البلدة, فأطلقوا سراح المحبوسين ورحل جويسر إلى بغداد، ثم انتقل إلى مكة بعد أن ظهر ابنُ سعود في نجدٍ وما حولها، وصار جويسر مدافعًا عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوتِه عند شريفِ مكة. واستعمل عليهم الأميرَ ناصر بن إبراهيم. ثم اتَّجه سعود إلى المجمعة واستلحق أحمدَ بن عثمان ورحل به وبعيالِه واستعمل على المجمعة أميرًا هو عثمان بن عثمان، ولما وصل جلاجل استلحقَ سويدًا بعياله، وأمر الجميع أن يقصدوا بلدَ القصب ثم نزلوا شقراء إلى أن أمَرَهم الإمام عبد العزيز أن ينزلوا جميعًا الدرعية بعيالهم.
هو الشيخُ الإمام أبو العباس أحمد بن عبد المنعم بن يوسف بن صيام الدمنهوري، شيخ جامع الأزهر، وأحد عُلماء مصر المُكثرين من التصنيف، ولِدَ بدمنهور سنة 1101هـ - 1589م. تعلَّم في الأزهر حتى تولى مشيخَتَه. فقد اشتغل بالعلمِ، وجدَّ في تحصيلِه، واجتهد في تكميلِه، وأجازَه علماء المذاهب الأربعة، وسمحوا له بتدريسِ الفِقهِ على المذاهب الأربعة, حتى سُمِّي بالمَذهبي. كانت له حافظةٌ وذاكرةٌ عجيبة, قيل عنه إنه: "أعلمُ أهل عصره بالديار المصريةِ في جميع الفنون النَّقلية والعقلية, وإنه بحرٌ لا ساحِلَ له" كان مُهابًا لدى الأمراء؛ لكونه قوَّالًا للحق، أمَّارًا بالمعروف، سمحًا بما عنده من الدنيا، وقَصَده الملوك والولاة من كلِّ حَدبٍ مِن طَرفِ الدولة, وله مصنَّفات كثيرة، منها: النفع العزيز في صلاح السلطان والوزير، ونهاية التعريف بأقسام الحديث الضعيف، والفيض العميم في معنى القرآن العظيم، ومنهج السلوك في نصيحة الملوك، ومشاركات في الطب والكيمياء. توفي في القاهرة.
كان أغا محمد خان- أغا أي: مَخْصِي- وهو من قبيلة قاجار المشهورة التي سكنت استراباد شمالي إيران، وهم من الشيعة الاثني عشرية، كان مستشارَ كريم خان الزندي، وقيل: إنه لَمَّا توفي كريم خان فرَّ أغا محمد خان من شيراز إلى طهران، وأعلن استقلالَه، ثم لَمَّا وصل إلى بلاده الأصلية جمع حولَه القاجارية وضمَّ إليه أيضًا بعض القبائل المجاورة وتصالحَ مع الأفشار، فأصبح هو صاحِبَ الأمر والنهي في شماليَّ إيران، وكان منافسُه لطف علي خان صاحبَ إيران الجنوبية وقاعدته شيراز، وحصلت بينهما حروبٌ كثيرة إلى أن قام وزيرُ لطف علي واسمه إبراهيم بتسليمِ مدينة شيراز لأحد قوَّاد أغا محمد عندما غاب لطف علي عنها، ثمَّ ملك أغا محمد كرمان، واستطاع أن يقضيَ على لطف علي، حيث سلَّمه بعضَ القبائل الذين قَبَضوا عليه لأغا محمد، ففقأ عينيه وقتله، فأصبحت إيران كلُّها في قبضته، وانتهت دولة الزنديين، وبدأت دولة القاجاريين على إيران.
نقض أهلُ حرمة عهدَهم مع الأمير سعود بن عبد العزيز وتواعَدوا مع أهل الزلفي وأرسلوا إلى سعدون بن عريعر حاكِمِ الأحساء وأتباعِه مِن العربان أنَّهم يريدون أن يَسطُوا على بلدة المجمعة، وكان فيها مرابط وضباط من جهة الإمام عبد العزيز بن محمد، وقد تحقَّق عند أهل حرمة أنَّهم إن لم يأخُذوا المجمعة ويضبطوها لم يكن لهم في بلدهم قرار, فسار رجالٌ مِن أهل حرمة في زيِّ النساءِ وأمسكوا بروجَ النخيل، ثمَّ قَدِم عليهم أهلُ الزلفي بشوكتِهم، ثم قدم سعدون بالجموعِ العظيمة من بني خالد وغيرهم، فاجتمعت تلك الجموعُ ونزلوا وسطَ النخيل وحصروا أهل المجمعةِ في بلدتهم أيامًا حتى ضاق عليهم الأمرُ، فهمُّوا بالمصالحة وأرسلوا إلى سعدون يطلبون مهلةَ يومين يرجون وصولَ المدد لهم من جهة عبد العزيز, كان حسنُ بن مشاري بن سعود يدبِّرُ الأمر من جلاجل لدَعمِ أهل المجمعة، وتمكن مع بعض رجاله من أهل العارض وسدير من دخول المجمعة ليلًا على الرغم من شدة الحصار عليها. فلما عَلِمَ ابن عريعر وأتباعُه بذلك عرفوا أنهم ممتنعون، وقد كانت صدورُ البوادي ضاقت من طولِ الحصارِ، فرحلوا من المجمعة منصرفين، ورجع أهل الزلفي إلى بلَدِهم، واستقَرَّت الحرب بين أهلِ الجمعة وأهل حرمة، فجهز عبد العزيز أخاه عبد الله بالجنودِ، فنازل أهلَ حرمة ووقع بينهم قتالٌ شديدٌ قُتِل فيه عددٌ مِن رجال حرمة، ثم رحل عنهم عبد الله بعد أن ترك لأهل المجمعة خيلًا ورِجالًا، واستمَرَّت الحربُ بينهم أيامًا.
غزا سعودُ بن عبد العزيز حرمة واستنفر معه أهلَ البلدان مشاةً وركبانًا، ونزل على بلدة حرمة وحصرها حصارًا شديدًا، وقطع نخلَ قاضيها عبد الله بن المويس- ابن عم الشيخ المجدِّد، لكنه من ألدِّ أعداء الدعوة (ت1175)- ومَلَك الأمير سعود أكثَرَ نخلها وأقام عليها أيامًا يباكرهم القتالَ، فلما اشتد عليهم الحصارُ ألقى الله الرعب في قلوبهم، فأرسلوا إلى سعود وطلبوا الصلحَ فأبى إلا أن تكون بلدتُهم فيئًا، أو يزيل ما في البلدِ مِن المحذورِ ومِن الرجالِ وغيرِهم، فصالحهم على ذلك, ولَمَّا كتب لوالده الإمام عبد العزيز كتب إليه أنَّ أهلَ هذه القرية تكرَّر منهم نقضُ العهد، وهي محذورةٌ كلُّها، فاهدِمْها ودمِّرْها، فأمر سعود بهدمِها، فهدم سورَها وبعض بيوتِها، وأمَر على أناس من أهلِها ممن أثار الشرَّ على المسلمين أن يرحَلوا عنها، فارتحل كثيرٌ منهم المجمعة، والبعض الآخر إلى الزلفي.