بعد أن تسلم محمد السادس الخلافةَ بأشهر استسلمت الدولةُ في الحرب العالمية الأولى واحتَلَّ الحلفاء أكثَرَ أجزاء الدولة وسيطروا على استانبول والمضائق، واحتلت اليونانُ الأقسامَ الغربية وضاعت البلدانُ العربية، فوضع السلطانُ ثِقتَه بمصطفى كمال فخاب ظنُّه؛ لأنه أصبح يعمل لنفسِه، فلما وجد السلطانُ محمد ذلك اعتزل السلطةَ وتنازل عن الخلافة في هذا العامِ، وبعد أقل من أربع سنوات من توليه للحكمِ؛ حيث رفض أن يكونَ مَلِكًا رمزيًّا لا علاقةَ له بالحكم، فاعتزل ورحل إلى جزيرة مالطة ونودِيَ بابن عمه عبد المجيد الثاني بن عبد العزيز الذي أصبح الخليفةَ، والذي جُرِّد من السلطاتِ السياسية كافةً.
بعد ثلاثةِ أيام من تسلُّم عبد المجيد الثاني الخلافةَ افتُتِحَ مؤتمر لوزان الذي حضره وفدُ أنقرة فقط، ووضَعَ رئيسُ الوفد الإنجليزي كرزون أربعةَ شُروطٍ للاعتراف باستقلال تركيا، وهي إلغاء الخلافة الإسلامية، وطردُ الخليفة من بني عثمان خارِجَ حدود تركيا، وإعلانُ علمانيةِ الدولة، ومصادرةُ أملاك وأموال بني عثمان، وربطُ نجاحِ المؤتمر على ذلك، فأخفق المؤتمَرُ، ورجع إلى البلاد الوفدُ التركي برئاسة عصمت إينونو
تأسَّست في 18 سبتمبر 1921 عندما ثار سكان منطقة الريف (شمال المغرب) على إسبانيا، وأعلنوا استقلالَهم عن الحماية الإسبانية للمغرب. عاصمة الجمهورية كانت أجدير، وعملتها كانت الريفان، وقدر عدد سكانها بـ 18، 350 نسمة. وقد أُعلِنَ محمد بن عبد الكريم الخطابي أميرًا للريف. وتم تشكيلُ الجمهورية رسميًّا في 1 فبراير 1923. وكان الخطابي رئيسَ الدولة ورئيس الوزراء في البداية، ثم تمَّ تعيينُ الحاج الحاتمي كرئيس للوزراء من يوليو 1923 حتى 27 مايو 1926، ثم حُلَّت الجمهورية في 27 مايو 1926 بقوة فرنسيةٍ إسبانية تَعدادها 500.000 مقاتل، وباستخدام مكثف للأسلحة الكيماوية.
بعد أن أعلنت بريطانيا تنصيبَ فيصل بن الحسين في العراقِ، وعبد الله بن الحسين في شرق الأردن، زادت مخاوفُ الملك عبدالعزيز من تحالفهما مع ابن رشيد؛ فقرَّر المسارعةَ لضَمِّ حائل، فعاد لغزوها بقواتٍ كبيرة من ضِمنِها قواتُ الإخوان (إخوان من أطاع الله) بزعامة فيصل الدويش، وبعد شهرين من الحصار استسلمت المدينةُ للملك عبدالعزيز، وأسَرَ معه محمد بن طلال إلى الرياض، وتزوج الملك عبدالعزيز من ابنةِ محمد بن طلال.
على الرغمِ من انتهاء الأزمة بين الملك عبدالعزيز والشريف حسين، وتبادل الطرفين المبعوثين، والتأكيد على إحلال السلامِ بينهما، إلا أن الشريف حسين في هذا العام حدَّد عددَ حُجَّاج نجد، فاعترض الملك عبدالعزيز على هذا التحديدِ، ووجَّه خِطابًا إلى المعتَمد البريطاني في بغداد، فوجَّه الإنجليز خطابًا للشريف للدخولِ مع الملك عبدالعزيز في مباحثاتٍ لحَلِّ هذه المشكلة، فرفض الشريف وكتب للإنجليزِ بعدم استقباله لحجَّاج نجدٍ هذا العام إلَّا إذا تخلى الملك عبدالعزيز عن مناطِقِ الجوف، وبيشة، ورانية، وتربة، وخيبر، والمناطق الأخرى التي احتلَّها في السنوات الأخيرة، وأنَّه سيدخل معه في معاهدةٍ إذا وافق على الانسحابِ مِن هذه المناطق والعودة إلى حدود والِدِه السابقة في إمارة نجد، ورغمَ الضغوطِ البريطانية على الشريف من أجلِ تغيير موقِفِه والسماحِ للحُجَّاج النجديِّين بدخول مكة لأداء مَنسَكِ الحجِّ إلَّا أنه كان مصَمِّمًا على رأيِه، وفشلت بريطانيا في التوفيق بينهما، ولما أدرك ابنُ سعود عدَمَ جدوى الحلول السلمية والدبلوماسية مع الشريف حسين، قرَّر أن يصفي حساباتِه معه في ميادينِ القتالِ، وهذا ما أوضحه في رسالة إلى برسي كوكس المعتمد البريطاني في الخليجِ في نهاية عام 1923م بقوله: "حَقَّ لي فيما أظنُّ أن اتَّبِع السياسة التي أريدُها، وأن أعملَ على تقرير مصيري بالطريقةِ التي أراها، وهذا ما أفعَلُه الآن".
دخلت مصر إلى القرن العشرين وهى مُثقلَةٌ بأعباء الاستعمار البريطاني بضغوطِه لنَهبِ ثرواتها، وتصاعدت المقاومةُ الشعبية والحركةُ الوطنية ضِدَّ الاحتلال بقيادة مصطفى كامل، ومحمد فريد، وظهر الشعورُ الوطني بقوة مع ثورة 1919 للمطالبة بالاستقلال، وكان لسعد زغلول ورفاقِه دورٌ بارز فيها بدعمٍ مِن الإنجليز للعمل من أجلِ إلغاء الحماية البريطانية على مصر في عام 1922 والاعتراف باستقلالِها على أيدي وطنيِّين تمَّ تهيئتُهم مِن قِبَل الإنجليز لضمان ولاء مصرَ لها. انتهت الحمايةُ البريطانية على مصر بإعلان الثامن والعشرين من شباط في العام 1922م، الذي اعترف بمصر كدولةٍ مستقلةٍ ذاتِ سيادةٍ بقيود محددة، وصدر أوَّلُ دستورٍ مصري في هذا العام، وفي الأول من آذار أصدر السلطان فؤاد مرسومًا بتشكيلِ حكومة جديدة، التي ضمَّت أوَّلَ وزارة خارجية مصرية بعد إعلانِ زوال الحماية البريطانية. وهناك يومٌ آخر يعَدُّ أحد المعالم الرئيسة في تاريخِ وزارة الخارجية المصرية، وهو الخامس عشر من آذار في العام 1923م؛ فهذا اليوم يرمُزُ إلى تغيير اللقب الرسمي لمصر لتصبِحَ مملكةَ مصر، كما تلقَّب السلطان فؤاد بلقَب الملك فؤاد، ويشيرُ أيضًا هذا اليوم إلى تطوُّر الدبلوماسية المصرية؛ فقد تمَّ تعيين وزير خارجية جديد، في حين أخذت الوزارةُ شَكلَها البنيويَّ، مع إعادة إرسال المبعوثين المصريين إلى الخارج. ومنذ ذلك الوقتِ قام العديدُ من الشخصيات المصرية بقيادةِ الدبلوماسية المصرية كوزراء للخارجية.
وافق الحُلفاءُ على إعادةِ النظر في بعضِ موادِّ معاهدةِ سيفر الظالِمة التي أُجبِرَت الدولةُ العثمانيةُ على قبولِها بعد هزيمتِها في الحرب العالمية الأولى، وحاول الحُلفاءُ الوصولَ إلى تسويةٍ للنزاع بين الأتراك واليونانيين، وقد رفض الأتراكُ الهدنةَ حتى يجلوَ اليونانيون عن الأناضول.
بعد أن استولى الملك عبدالعزيز على حائل واجه ثلاثَ قوًى محيطةٍ به ومعاديةٍ له في الشمال والغرب، ولم يتِمَّ ترسيمُ الحدود بين العراق وشرق الأردن وحائل ونجد، ولم تُحَلَّ الخلافات القبلية بين العراق ونجد، وفي عام 1921م تم تعيينُ يوسف بن سعدون قائدًا لقوات عراقية من الفرسان، وكان على عَداءٍ مع شيخ الظفير حمود بن سويط الذي هرب إلى الرياض، وطلب نجدةَ الملك عبدالعزيز، والتحقت بحمود مجموعةٌ من الإخوان من مطير برئاسة فيصل الدويش، وهاجموا معسكرَ يوسف وقتلوا غالبيةَ جنوده، فأرسلت بريطانيا طائراتٍ لنجدة العراقيين، وتم إقالةُ يوسف بن سعدون، فهرب يوسف إلى الرياض للعمَلِ تحت إمرة الملك عبدالعزيز.
بعد أن تألَّف الوفد المصري وسافر إلى باريس ولندن، ولم يُجدِ ذلك شيئًا حتى جرى اتِّفاقٌ بين المعتمد البريطاني في القاهرة وبين عبد الخالق ثروت، وعدلي يكن، وإسماعيل صدقي، في الرابع عشر من جمادى الأولى 1340هـ / 13 كانون الثاني 1922م، ونص الاتفاق على نقاطٍ، منها: أن تصبِحَ مِصرُ دولةً مستقلة لها سيادتها، ووافقت الحكومةُ البريطانية على اعتمادِ هذا الاتفاق، ولكن أدخَلت عليه بعضَ التعديلاتِ، ومنها: جَعلُ الهيئة التشريعية بيد مجلسينِ: مجلس للنواب ينتخبه الشعبُ، ومجلس للشيوخ يعيِّنُه المَلِك، وضَمَّ المشروع تصريحين أحدهما تصريح 2 رجب 1340هـ / 28 شباط 1922م، وينصُّ على إنهاء الحماية عن مصرَ مقيَّدةً بأربعةِ تحفُّظات، وجاء في التحفظ الثالث: 1/ تأمين مواصلات الإمبراطورية البريطانية في مصر. 2/ الدفاع عن مصر من كل اعتداء أو تدخُّل أجنبي بالذات أو بالواسطة. 3/ حماية المصالح الأجنبية في مصر وحماية الأقليات. 4/ يبقى وضع السودان على حاله خاضعًا للحكم الثنائي البريطاني المصري. والتصريح الثاني كتابٌ مُفصَّل عن السلطان، وأعلنت إنجلترا إنهاءَ الحماية عن مصر، وتصبِحُ مِصرُ دولةً مستقلة ذاتَ سيادة، وأصبح مَلِكُ مصر هو أحمد فؤاد الذي أعلن في 17 رجب 1340هـ استقلالَ البلاد واتَّخذ لقبَ ملك مصر.
التقى الإنجليزي برسي كوكس مع الملك عبدالعزيز في المحمرة، وأكَّد الإنجليزُ على ضرورة إقامةِ حدودٍ بين نجد والعراق، وطالب الوفدُ النجديُّ رسمَ الحدود اعتمادًا على التقسيم القَبَلي المعروف للبدوِ، وتمَّ توقيعُ المعاهدة التي جَعَلت قبائِلَ المنتفق والظفير والعمادات من عنيزة تبعَ العراق، وجعلت شمر تابعةً لنجد، إلا أنَّ الملك عبدالعزيز رفض إبرامَ الوثيقة لأنَّ الظفير بزعامة حمود بن سويط قد احتَمَوا به ورفضوا الانصياعَ للعراق. وتم اعتمادُ ترسيم الحدود بين الطرفين في اتفاقية العقير كمُلحَق لمعاهدة المحمرة.
شرع الإخوانُ يتحرَّكون شمالًا نحو شرق الأردن واحتلُّوا واحةَ الجوف بعد أشهرٍ واشتبكوا مع رجال شرقِ الأردن، واستولَوا على تيماء وتبوك وأخذوا الزكاة منهما إلى الرياضِ، ووصلوا إلى وادي السرحان وواحة بن شاكر، كما وصلوا إلى قلب شرق الأردن، وحدود سوريا وحدود العراق المباشر بين الممتلكات البريطانية؛ لذلك رأى كوكس المعتمد البريطاني في الخليج ضرورةَ تثبيت الحدود مع الملك عبدالعزيز؛ حيث تم اعتمادُ الحدود والتوقيعُ عليها في برتوكول العقير.
في هذا العام تمرَّد الأميرُ حسن آل عائض على ابنِ سعودٍ ونقَضَ العهدَ بتحريضٍ مِن إمام اليمن يحيى حميد الدين، فأرسل الملك عبدالعزيز قواتٍ نجديةً بقيادةِ ابنه فيصل، وجعل القيادةَ العسكريةَ إلى خالد بن لؤي أميرِ الخرمة (من محافظات منطقة مكة المكرمة) وأحدِ قادة الإخوان، والتحق بهم أثناء الطريق بدوٌ مِن قحطان وزهران وشهران، فاستولى فيصل على واحة بيشة ووصل إلى مشارفِ أبها، فهرب منها ابنُ عائضٍ ولم يستَطِع الشريفُ حسين أن يُنجِدَه بقواتٍ كما كان يفعَلُ في السابق، فدخل فيصل أبها، وولى عليها سعدَ بنَ عفيصان وعاد فيصل إلى الرياض، ثم استسلم حسَن آل عائض ونُقِلَ إلى الرياض.
صدر قانون الظهير البربري -والظهيرُ يعني المرسوم- أصدره المستعمِرُ الفرنسي، ونصَّ هذا الظهيرُ على جعْلِ إدارة المنطقة البربرية تحت سلطةِ الإدارة الاستعمارية، فيما تبقى المناطِقُ العربية تحت سلطة "حكومة المخزن" والسلطان المغربي، وتمَّ إنشاءُ محاكم على أساسِ العُرفِ والعادة المحلية للبربر، وإحلالُ قانون العقوبات الفرنسي محلَّ قانون العقوبات "الشريفي" المستَنِد إلى الشريعة الإسلامية؛ ومِن ثمَّ قام هذا القانونُ بنوعينِ مِن العزل تجاهَ المناطِقِ البربرية؛ أولهما: عزلُ الإدارة السلطانية عنهم، وعزلُ الشريعة الإسلامية عن التقاضي بينهم، على اعتبار أن العاداتِ والأعراف البربرية كانت سابقةً على الإسلام!! وكان البربر يشكِّلون حوالي 45% من سكان المغرب في تلك الفترة، وينتشرون في بلاد الريف وجبال أطلس.
كان الشعبُ المغربي قد ثار على السلطان عبد العزيز بن الحسن العلوي وخلَعَه عام 1908م بعد أن أطلق يدَ فرنسا وإسبانيا في المغرب، وبايع الشعبُ أخاه عبد الحفيظ بشَرطِ العمل على استرداد الجهاتِ المقتطعة على الحدودِ، ولكِنَّ عبد الحفيظ صانَعَ فرنسا التي اتَّفَقت سنة 1911 مع إسبانيا على إعطائِها الريفَ مقابِلَ السكوت على الاحتلال الفرنسي، وثار الشعبُ مرة أخرى، ففُرِضَت الحماية الفرنسية، وعَمَّت الثورةُ أرجاء المغرب وقامت الحربُ العالمية الأولى، والشعبُ المغربي يقاوِمُ الفرنسيين في الأطلس الأوسط والأطلس الكبير، وفي تافيلالت وآية عطا، وتسلَّم تطبيقَ المخطَّطات الاستعمارية في مراكش قائِدٌ فرنسيٌّ مِن زبانية الاستعماريين، هو المارشال ليوتي، الذي عقَدَ معاهدةَ الحماية، وحكَمَ المغربَ كمُقيمٍ عام، وأخمد ثوراته، ووجه الاستثماراتِ الفرنسيةَ لنَهبِ ثروات المغرب، وقد ثار الريفُ الذي احتلَّته إسبانيا سنة 1922م، وتزعم الثورةَ الأمير عبد الكريم الخطابي واستطاع النجاحَ في حصار طنجة، وامتدت الثورةُ إلى المناطق التي تحتلُّها فرنسا، فاتفق ليوتي مع الإسبان على قتال الثائرين، وخُنِقَت الثورة سنة 1925م، واستسلم الأمير عبد الكريم للفرنسيين الذين نفوه إلى مدغشقر في جُزُر ريئونيون.
كان وزيرُ المستعمرات البريطانية ونستون تشرشل قد اتَّفق مع الملك فيصل ابن الشريف حسين قبل تسَلُّمِه المُلْك أن تكون معاهدةٌ بين الطرفين تحُلُّ مكانَ الانتداب، غيرَ أن الإنجليز قد فهموا من هذه العبارة أنَّ الاستقلالَ صورةٌ، والواقِعَ انتدابٌ؛ فالمَلِك ليس أكثَرَ مِن اسمٍ؛ فالمتصَرِّفُ الفعلي والحقيقي هو المعتمد السامي البريطاني، والوزراء ليس لهم سوى التوقيع على قراراته، وصاحِبُ الكلمة هو المستشار البريطاني، وأما الملِكُ فيصل والعراقيون ففَهِموا أنَّ المعاهدةَ ستُلغي الانتداب وتبيِّن العلاقات المتبادلة بين الحكومة العراقية والحكومة البريطانية! ونتيجةً لهذا التباين تأخَّر توقيعُ المعاهدة حتى قُدِّمت للدراسة والتوقيعِ عليها، وكانت تضمُّ بنودًا عديدةً، منها: أن يوافق مَلِك العراق على أن يستدِلَّ بما يقدِّمُه ملك بريطانيا من المشورة بوساطةِ المعتمد السامي جميع الشؤون المهمة التي تمسُّ بتعهدات ومصالح مَلِك بريطانيا، ويستشير ملك العراق المعتمدَ السامي الاستشارةَ التامة فيما يؤدي إلى سياسة مالية ونقدية سليمة، ومنها: أنَّ مَلِكَ العراق لا يعيِّنُ مدة المعاهدة موظفًا دون موافقة ملك بريطانيا، ومنها: أن يتعهَّد مَلِكُ العراق بقَبول الخطة الملائمة التي يشير بها مَلِك بريطانيا، ومنها: لا تُتَّخَذ وسيلةٌ ما في العراق لمنع أعمال التنصير أو للمُداخلة فيها أو لتمييز منَصِّر ما على غيره بسبب اعتقاده الديني أو جنسيته! ولم يكن في نصوص المعاهدة أيُّ ذكرٍ لانتهاء الانتداب، وأكثَرُ بنودها هو ترسيخ للوجود البريطاني والوصاية الواضحة على الملِك، ولم يوافِقِ الوزراء على المعاهدة، فاستقال الوزراءُ كُلُّهم واحدًا تلوَ الآخر، ولم توقَّعْ هده المعاهدة المعروفة بمعاهدة 1922م إلا في الحكومة الثالثة في ليلة 9 ذي القعدة 1342ه بعد منتصف الليل في جلسةٍ غيرِ اعتياديةٍ، وبعد أن بطش المعتمد السامي بالحركة الوطنية، فوُقِّعت المعاهدة، ثم ألحِقَ بند بالمعاهدة بأنَّ المعاهدة ينتهي مفعولها حين دخول العراق عُصبةَ الأمم المتَّحِدة، وألَّا يتجاوَزَ ذلك مدة أربع سنوات، ويُذكَرُ أنَّ بريطانيا أصلًا بعد أن دخلت العراقُ عُصبةَ الأمم كانت قد أفرغت كلَّ الخزائن في الولايات التي كانت تابعةً للعثمانيين، ونهبت كلَّ ما تستطيع نهْبَه حتى الأوقاف، ووضعت يدَها عليها، فلم يعُدْ لها أي مصلحةٍ كبيرة في البقاء بالعراق من الناحية الاقتصادية!!! حتى إن بعض المسؤولين فكَّر بالانسحاب نهائيًّا فور تنصيب المَلِك، ولكِنْ هناك من يرى أن المصالح البريطانية أبعَدُ من مجرد المال الذي انتهى من العراقِ، وإنما محاولة إبقاء التبعيَّة والوصاية من أجل أن تبقى العراقُ تحت السيطرةِ.
في هذا العام تولَّى الدوتشي بينيتو أندريا موسوليني رئاسةَ إيطاليا وشغَلَ منصِبَ رئيس الوزراء وأحيانًا وزارة الخارجية والداخلية، ويعتبَرُ موسوليني من الشخصيات الرئيسة والمهِمَّة بين المؤسِّسين الحقيقيِّين للفاشية، وفي عهده مارست إيطاليا أبشَعَ صُوَر الوحشية من أجل إخضاعِ الشعب الليبي للاستعمار الإيطالي، وأدخل إيطاليا الحربَ العالميَّةَ الثانية إلى جانبِ دُوَل المحور ضِدَّ دول الحلفاء.
بعد إعلان الحكومة العراقية معاهدة 1922م التي تُرسِّخ الانتداب البريطاني في العراق، قاطع العلماءُ المشاركةَ في الانتخابات مالم يتِمَّ: 1/ إلغاء سياسة الضغط التي يمارسها المعتمد البريطاني. 2/ إطلاقُ حرية الاجتماعات والمطبوعات. 3/ سحبُ المستشارين الإنجليز من الألوية إلى بغداد. 4/ السماح بتأليف الجمعيات. 5/ السماح بإعادة المنفيِّين السياسيين إلى وطنهم.
قام مصطفى كمال أتاتورك -الذي كانت بيده مقاليدُ الأمور في تركيا- بإلغاء السَّلْطَنة العثمانية، ونفيِ السلطان عبد المجيد الثاني، وكان ذلك تمهيدًا لإلغاءِ الخلافة الإسلامية التي أصدر قرارًا بإلغائها سنة 1924م!! ونفى جميعَ أسرة آل عثمان التي حكمت العالم الإسلاميَّ خمسة قرون. وبذلك نجحت الجهودُ الغربية الاستعمارية في تدمير الرباطِ الرُّوحيِّ بين المسلمين بعد عشراتِ السنواتِ مِن التآمُرِ والمكائد لإسقاط الخلافة!!!
معاهدةٌ حدوديةٌ وُقِّعَت في العقير (ميناء قرب الأحساء)، كان الهدفُ منها إيجادَ حَلٍّ للخلاف بين الملك عبد العزيز والشريف حسين وأولاده في شرق الأردن والعراق، وأطماع الأتراك في الموصل، وقد مثَّلَ نجْدًا سلطانُ نجد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وكان صبيح بك نشأت وزيرَ المواصلات والأشغال عن الملك فيصل ملك العراق، أمَّا الكويت فقد مثَّلَها الميجور مور الوكيل السياسي البريطاني في الكويت طبقًا لاتفاقية الحماية البريطانية الكويتية الموقَّعة عام 1899م، والتي تمنَحُ بريطانيا حَقَّ إدارة شؤون الكويت الخارجية، وكان السير برسي كوكس المعتمد السياسي في الخليج يلعَبُ دور الوسيط في تلك الاجتماعات. بدأت الاجتماعات بين ممثِّل العراق صبيح بك، والملك عبدالعزيز، بدأ الطرفان بالتشَدُّد في مواقفهم، حيث طلب العراق أن تكون حدودُه على بعد 12 ميلًا من الرياض، بالمقابِلِ طلب ابن سعود كلَّ مناطق البدو الشمالية من حلب حتى نهر العاصي، وعلى جانب الشطِّ الأيمن للفرات وحتى البصرة، وطالب أيضًا بحدود قَبَلية بدلًا من حدود ثابتة، استمرت النقاشاتُ طوال خمسة أيام، أراد الجانب العراقي حدودًا لا تقل عن 200 ميل جنوب الفرات، بينما أراد الملك عبدالعزيز أن يتِمَّ تحديدُ الحدود باعتبار منازل القبائل الموالية لكُلِّ طَرفٍ بدلًا من الترسيم عن طريق الخرائط. في اليوم السادس من اللقاءات تمَّ رسمُ الحدود التي اعتُمِدَت من قِبَل الأطراف الثلاثة، وتقرر بناءً عليها إنشاءُ منطقتين محايدتين: الأولى بين الكويت والسعودية، والثانية بين العراق والسعودية.