الموسوعة التاريخية


العام الهجري : 502 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1109
تفاصيل الحدث:

حاول الباطنية الإسماعيلية الاستيلاءَ على حصن شيزر مستغلين خروج أصحابه بني منقذ منه، ولكنَّ بني منقذ أدركوهم وقاتلوهم حتى أخرجوهم من الحصن وقُتل من الطرفين الكثير، كما قام الباطنية الإسماعيلية باغتيال عدد من القضاة، منهم: قاضي أصبهان عبيد الله بن علي الخطيبي، وقتلوا قاضي نيسابور صاعد بن محمد أبو العلاء البخاري، وقتلوا أيضًا قاضي آمد عبد الواحد بن إسماعيل الروياني الشافعي، وقام في السنة التالية بعض الباطنية على الوزير أبي نصر بن نظام الملك لقتله، فضربوه بالسكاكين فجرحه أحدُهم في رقبته، ثم أُخِذ الباطني فسُقِيَ الخمر فأقرَّ على جماعة من الباطنية، فأُخذوا فقُتلوا.

العام الهجري : 502 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1109
تفاصيل الحدث:

هو إمام اللغة أبو زكريا يحيى بن علي بن محمد، المعروف بالخطيب التبريزي، أحد أعلام اللغة والأدب في القرن الخامس الهجري، وصاحب الشروح المعروفة لعدد من المجموعات الشعرية، مثل: المعلَّقات، والمُفَضَّليات، والحماسة. وكان أصله من تبريز، ونشأ ببغداد ورحل إلى بلاد الشام، فقرأ "تهذيب اللغة" للأزهري، على أبي العلاء المعري، قيل: أتاه يحمل نسخة "التهذيب" في مِخْلاة على ظهره، وقد بلَّلَها عرقُه حتى ليظُنُّ من يراها أنها غريقة، ودخل مصر، ثم عاد إلى بغداد، فقام على خزانة الكتب في المدرسة النظامية إلى أن توفي. ومن كتبه: "شرح ديوان الحماسة" لأبي تمام، و"تهذيب إصلاح المنطق" لابن السِّكِّيت، و"تهذيب الألفاظ" لابن السكيت. قال ابن نقطة: "ثقة في علمه، مخلِّط في دينه، وقيل: إنه تاب".

العام الهجري : 502 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1109
تفاصيل الحدث:

اصطلح عامةُ بغداد السُّنَّة والشيعة، وكان الشرُّ منهم على طول الزمان، وقد اجتهد الخلفاء والسلاطين والشُحن -المسؤولون عن ضبط الأمن- في إصلاح الحال، فتعذر عليهم ذلك إلى أن أذن الله تعالى فيه، وكان بغير واسطة، وكان السبب في ذلك أن السلطان محمدًا لما قَتَل ملك العرب صدقة خاف الشيعة ببغداد أهل الكرخ وغيرهم؛ لأن صدقة كان يتشيَّع هو وأهل بيته، فشنَّع أهل السُّنَّة عليهم بأنهم نالهم غمٌّ وهَمٌّ لقتله، فخاف الشيعة وأغضوا على سماع هذا، ولم يزالوا خائفين إلى شعبان، فلما دخل شعبان تجهَّز السُّنَّة لزيارة قبر مصعب بن الزبير، وكانوا قد تركوا ذلك سنين كثيرة، ومنعوا منه لِتُقطَعَ الفِتَنُ الحادثة بسببه، فلما تجهزوا للمسير اتفقوا على أن يجعلوا طريقهم في الكرخ، فأظهروا ذلك، فاتفق رأيُ أهل الكرخ على ترك معارضتهم، وأنهم لا يمنعونهم، فصارت السُّنة تسير أهل كل محلة منفردين، ومعهم من الزينة والسلاح شيءٌ كثير، وجاء أهل باب المراتب ومعهم فيل قد عُمِل من خشب، وعليه الرجال بالسلاح، وقصدوا جميعهم الكرخ ليعبروا فيه، فاستقبلهم أهله بالبخور والطيب، والماء المبرد، والسلاح الكثير، وأظهروا بهم السرور، وشيَّعوهم حتى خرجوا من المحلة، وخرج الشيعة ليلة النصف منه إلى مشهد موسى بن جعفر وغيره، فلم يعترضهم أحد من السُّنة، فعجب الناس لذلك، ولما عادوا من زيارة مصعب لقيهم أهل الكرخ بالفرح والسرور.

العام الهجري : 503 العام الميلادي : 1109
تفاصيل الحدث:

جهَّز يحيى بن تميم، صاحب إفريقية، خمسة عشر شينيًا -سفن حربية كبيرة- وسيَّرها إلى بلاد الروم، فلقيها أسطول الروم، وهو كبير، فقاتلوهم وأخذوا ست قطع من شواني المسلمين، ولم ينهزم بعد ذلك ليحيى جيشٌ في البحر والبر.

العام الهجري : 503 العام الميلادي : 1109
تفاصيل الحدث:

لما فرغ الفرنج من طرابلس سار طنكري، صاحب أنطاكية، إلى بانياس وحَصَرها وافتتحها، وأمَّن أهلها، ونزل مدينة جبيل، وفيها فخر الملك بن عمار الذي كان صاحب طرابلس، وكان القوت فيها قليلًا، فقاتلها إلى أن ملكها في الثاني والعشرين من ذي الحجة من السنة بالأمان، وخرج فخر الملك بن عمار سالِمًا، ووصل عَقيبَ ملك طرابلس الأسطولُ المصري بالرجال والمال والغلال وغيرها ما يكفيهم سنة، فوصل إلى صور بعد أخذ طرابلس بثمانية أيام، وفُرِّقت الغلال التي فيه والذخائِرُ في الجهات المنفذة إليها صور وصيدا وبيروت، وأما فخر الملك بن عمار فإنه قصد شيزر، فأكرمَه صاحبها الأمير سلطان بن علي بن منقذ الكناني، واحترمه، وسأله أن يقيم عنده، فلم يفعل، وسار إلى دمشق، فأنزله طغتكين صاحبها، وأجزل له في الحمل والعطية، وأقطعه أعمال الزبداني، وهو عمل كبير من أعمال دمشق.

العام الهجري : 503 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1109
تفاصيل الحدث:

سيَّرَ يحي بن تميم ابنه أبي الفتوح إلى مدينة سفاقس واليًا عليها، فثار به أهلُها، فنهبوا قصرَه، وهمُّوا بقتله، فلم يزل يحيى يعمِلُ الحيلة عليهم، حتى فرَّق كلمتَهم، وبدَّد شملَهم، وملَك رقابَهم فسجنَهم، وعفا عن دمائِهم وذنوبِهم.

العام الهجري : 503 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1110
تفاصيل الحدث:

احتلَّ الفرنج طرابلس، وسبب ذلك أن طرابلس كانت قد صارت في حكم العُبيديين في مصر ونائبهم فيها، والمدد يأتي إليها منه، فلما كانت هذه السنة أول شعبان وصل أسطولٌ كبير من بلد الفرنج في البحر، ومُقدَّمهم قمص كبير القساوسة- اسمه ريمند بن صنجيل، ومراكبه مشحونة بالرجال والسلاح والميرة، فنزل على طرابلس، وكان نازلًا عليها قبله السرداني ابن أخت صنجيل، فجرى بينهما فتنة أدت إلى الاقتتال بينهما، فوصل طنكري صاحب أنطاكية إليها؛ معونةً للسرداني، ووصل الملك بغدوين، صاحب القدس، في عسكره، فأصلح بينهما، ونزل الفرنج جميعهم على طرابلس، وشرعوا في قتالها، ومضايقة أهلها، من أول شعبان، وألصقوا أبراجهم بسورها، فلما رأى الجند وأهل البلد ذلك سُقِط في أيديهم، وذلَّت نفوسهم، وزادهم ضعفًا تأخُّرُ الأسطول المصري عنهم بالميرة والنجدة، ومد الفرنج القتال عليها من الأبراج والزحف، فهجموا على البلد وملكوه عَنوة وقهرًا يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، ونهبوا ما فيها، وأسروا الرجال، وسَبَوا النساء والأطفال، ونهبوا الأموال، وغنموا من أهلها من الأموال والأمتعة وكُتُب دور العلم الموقوفة ما لا يُحَدُّ ولا يحصى، فإن أهلها كانوا من أكثر أهل البلاد أموالًا وتجارة، وسَلِمَ الوالي الذي كان بها وجماعةٌ من جندها كانوا التمسوا الأمان قبل فتحها، فوصلوا إلى دمشق، وعاقب الفرنج أهلها بأنواع العقوبات، وأُخِذَت دفائنهم وذخائرهم في مكامنِهم.

العام الهجري : 504 العام الميلادي : 1110
تفاصيل الحدث:

في أوائل هذه السنة تجهَّز جماعة من البغدادية من الفقهاء وغيرهم، ومنهم ابن الزاغوني، للخروج إلى الشام لأجل الجهاد، وقتال الفرنج، وذلك حين بلغهم أنهم فتحوا مدائن عديدة، من ذلك مدينة صيدا وغيرها من المدائن، ثم رجع كثيرٌ منهم حين بلغهم كثرة الفرنج.

العام الهجري : 504 العام الميلادي : 1110
تفاصيل الحدث:

جمع صاحِبُ أنطاكية عساكِرَه من الفرنج، وحشد الفارِسَ والراجِلَ، وسار نحو حصن الأثارب، وهو بالقرب من مدينة حلب بينهما ثلاثة فراسخ، وحصره ومنع عنه الميرة، فضاق الأمر على من به من المسلمين، فنقبوا من القلعة نقبًا قصدوا أن يخرجوا منه إلى خيمة صاحب أنطاكية فيقتُلوه، فلما فعلوا ذلك وقربوا من خيمتِه استأمن إليه صبيٌّ أرمنيٌّ، فعرَّفه الحال فاحتاط واحترز منهم، وجَدَّ في قتالهم حتى ملك الحصن قهرًا وعنوة، وقَتَل من أهله ألفي رجل، وسبى وأسر الباقين، ثم سار إلى حصن زردنا، فحصره ففتحه وفعل بأهله مثل الأثارب، فلما سمع أهل منبج بذلك فارقوها خوفًا من الفرنج، وكذلك أهل بالس، وقصد الفرنج البلدين فرأوهما وليس بهما أنيس، فعادوا عنهما، وسار عسكر من الفرنج إلى مدينة صيدا، فطلب أهلها منهم الأمان فأمَّنوهم وتسلَّموا البلد.

العام الهجري : 504 العام الميلادي : 1110
تفاصيل الحدث:

لما فتح الفرنج معظم بلاد الشام عَظُمَ خوفُ المسلمين منهم وبلغت القلوبُ الحناجِرَ، وأيقنوا باستيلاء الفرنج على سائر الشام لعدم الحامي له والمانع عنه، فشرع أمراء بلاد الشام في الهدنة معهم، فامتنع الفرنج من الإجابة إلا على قطيعة يأخذونها إلى مدة يسيرة، فصالحهم الملك رضوان، صاحب حلب، على اثنين وثلاثين ألف دينار وغيرها من الخيول والثياب، وصالحهم صاحب صور على سبعة آلاف دينار، وصالحهم ابن منقذ، صاحب شيزر، على أربعة آلاف دينار، وصالحهم علي الكردي، صاحب حماة، على ألفي دينار، وكانت مدة الهدنة إلى وقت إدراك الغَلَّة وحصادها.

العام الهجري : 504 العام الميلادي : 1110
تفاصيل الحدث:

كانت عسقلان للفاطميين المصريين، ثم إنَّ حاكِمَ مصر الفاطمي الآمر بأحكام الله استعمل عليها إنسانًا يُعرَف بشمس الخلافة، فراسل بغدوين ملك الفرنج بالشام وهادنه، وأدَّى إليه مالًا وعروضًا، فامتنع به من أحكام المصريين عليه إلا فيما يريد من غير مجاهدة بذلك، فوصلت الأخبارُ بذلك إلى الآمر صاحب مصر، وإلى وزيره الأفضل، أمير الجيوش، فعَظُم الأمر عليهما، وجهَّزا عسكرًا وسيَّراه إلى عسقلان مع قائد كبير من قوَّاده، وأظهرا أنه يريد الغزاة، ونفذا إلى القائد سرًّا أن يقبض على شمس الخلافة إذا حضر عندهم، ويقيم هو عِوَضَه بعسقلان أميرًا. فسار العسكر، فعرف شمس الخلافة الحال فامتنع من الحضور عند العسكر المصري، وجاهر بالعصيان وأخرج من كان عنده من عسكر مصر؛ خوفًا منهم، فلما عرف الأفضل ذلك خاف أن يُسَلِّمَ عسقلان إلى الفرنج، فأرسل إليه وطيَّب قلبه وسكَّنه، وأقرَّه على عمله، وأعاد عليه إقطاعَه بمصر، ثم إن شمس الخلافة خاف أهل عسقلان فأحضر جماعة من الأرمن واتخذهم جندًا، ولم يزل على هذه الحال إلى آخر سنة أربع وخمسمائة، فأنكر الأمرَ أهلُ البلد، فوثب به قومٌ من أعيانه وهو راكب، فجرجروه فانهزم منهم إلى داره، فتبعوه وقتلوه، ونهبوا داره وجميع ما فيها، ونهبوا بعض دور غيره من أرباب الأموال بهذه الحُجَّة، وأرسلوا إلى مصر بجَليَّة الحال إلى الآمر والأفضل، فسُرَّا بذلك، وأحسَنا إلى الواصِلين بالبشارة، وأرسلا إليه واليًا يقيم به، ويستعمل مع أهل البلد الإحسان وحُسنَ السيرة، فتَمَّ ذلك وزال ما كانوا يخافونه.

العام الهجري : 504 العام الميلادي : 1110
تفاصيل الحدث:

أقلعت مراكِبُ من ديار مصر فيها التجار ومعهم الأمتعة الكثيرة؛ لنصرة إخوانهم في الشام، فوقع عليها مراكب الفرنج، فأخذوها وغنموا ما مع التجار وأسروهم، فسار جماعة من أهل حلب إلى بغداد مُستنفِرين على الفرنج. فلما وردوا بغداد اجتمع معهم خلق كثير من الفقهاء وغيرهم فقصدوا جامع السلطان واستغاثوا، ومنعوا من الصلاة وكسروا المنبر، فوعدهم السلطان بإنفاذ العساكر للجهاد، وسيَّر من دار الخلافة منبرًا إلى جامع السلطان. فلما كان الجمعة الثانية قصدوا جامع القصر بدار الخلافة ومعهم أهل بغداد، فمنعهم حاجب الباب من الدخول، فغلبوه على ذلك، ودخلوا الجامع وكسروا شباك المقصورة، وهجموا إلى المنبر فكسروه، وبطلت الجمعة أيضًا، فأرسل الخليفة إلى السلطان في المعنى يأمره بالاهتمام بهذا الفتق ورَتْقِه، فتقدَّم حينئذ إلى من معه من الأمراء بالمسير إلى بلادهم، والتجهُّز للجهاد، وسيَّرَ ولده الملك مسعودًا مع الأمير مودود، صاحب الموصل، وتقدموا إلى الموصل ليلحق بهم الأمراء ويسيروا إلى قتال الفرنج، وانقضت السنة وساروا في سنة خمس وخمسمائة.

العام الهجري : 504 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1110
تفاصيل الحدث:

هو أحد الفقهاء الكبار، من رؤس الشافعية: علي بن محمد بن علي الفقيه الشافعي المشهور بالكيا الهراسي، لقبه عماد الدين، كان من أهل طبرستان, ولد سنة 450. كان مليح الوجه، جَهْوريَّ الصوت، فصيحًا زكي الأخلاق, وحَظِيَ بالحشمة والجاه والتجمُّل. روى شيئًا يسيرًا عن أبي المعالي وغيره. خرج إلى نيسابور، وتفقَّه على أبي المعالي الجويني، وكان من رؤوس معيديه، وقدم بغداد ودرس بالنظامية ووعظ وذكر مذهب الأشعري، واتُّهِم بمذهب الباطنية، فنُزع منه التدريس في النظامية، فأراد السلطانُ قتله، فمنعه الخليفةُ المستظهر بالله لما شُهِدَ له بالبراءة "شهد له بالبراءة جماعة من العلماء، منهم أبو الوفاء ابن عقيل، وجاءت الرسالة من دار الخلافة بخَلاصِه" قال الذهبي: "وقد رُمِيَ الكيا -رحمه الله- بأنَّه يرى في المناظرة رأيَ الإسماعيلية، وليس كذلك، بل وقع الاشتباهُ على القائل بأن صاحب قلعة ألموت الحسن بن الصباح يلقب بالكيا أيضًا. فافهم ذلك، وأما الهراسي فبريءٌ من ذلك" فرُدَّ للتدريس في النظامية. له مصنفات منها كتاب يرد فيه على ما انفرد به الإمام أحمد بن حنبل في مجلد، وقد تتلمذ على يده جمع من العلماء، منهم: الحافظ أبو طاهر السِّلَفي, وشيخ الشافعية ابن الرزاز, وخطيب الموصل، أبو الفضل الطوسي، وغيرهم كثير, وكانت وفاته يوم الخميس غرة المحرم عن عمر 54، ودُفِن عند الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وحضر لدفنه الشيخ أبو طالب الزينبي، وقاضي القضاة أبو الحسن الدامغاني، وكانا مقدَّمَي طائفة الساعة الحنفية، ورثاه أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان الغزي الشاعر. والكِيَا: بكسر الكاف وفتح الياء المثناة من تحتها وبعدها ألف. والكيا بلغة الأعاجم: الكبير القدر المقدَّم.

العام الهجري : 504 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1110
تفاصيل الحدث:

احتلَّ الفرنج مدينة صيدا من ساحل الشام. وسبب ذلك أنه وصل في البحر إلى الشام ستون مركبًا للفرنج مشحونة بالرجال والذخائر مع بعض ملوكهم؛ ليحُجَّ بيت المقدس، وليغزو –بزعمه- المسلمين؛ فاجتمع بهم بغدوين ملك القدس، وتقررت القاعدة بينهم أن يقصِدوا بلاد الإسلام، فرحلوا من القدس ونزلوا مدينة صيدا ثالث ربيع الآخر من هذه السنة، وضايقوها برًّا وبحرًا، وكان الأسطول المصري مقيمًا على صور، فلم يقدِرْ على إنجاد صيدا، فعمل الفرنج برجًا من الخشب وأحكموه وجعلوا عليه ما يمنع النارَ عنه والحجارة، وزحفوا به، فلما عاين أهل صيدا ذلك ضَعُفت نفوسهم، وأشفقوا أن يُصيبَهم مثل ما أصاب أهل بيروت، فأرسلوا قاضيَها ومعه جماعة من شيوخها إلى الفرنج، وطلبوا من ملكهم الأمان فأمَّنَهم على أنفسهم وأموالهم والعسكر الذي عندهم، ومن أراد المقام بها عندهم أمَّنوه، ومن أراد المسيرَ عنهم لم يمنعوه، وحلف لهم على ذلك، فخرج الوالي وجماعة كثيرة من أعيان أهل البلد في العشرين من جمادى الأولى إلى دمشق، وأقام بالبلد خلق كثير تحت الأمان، وكانت مدة الحصار سبعة وأربعين يومًا، ورحل بغدوين عنها إلى القدس، ثم عاد إلى صيدا بعد مدة يسيرة، فقرر على المسلمين الذين أقاموا بها عشرين ألف دينار، فأفقرهم واستغرق أموالَهم.

العام الهجري : 505 العام الميلادي : 1111
تفاصيل الحدث:

اجتمعت العساكرُ التي أمرها السلطان بالمسير إلى قتال الفرنج، وهم الأمير مودود بن زنكي صاحب الموصل، والأمير سكمان القطبي صاحب تبريز، وبعض ديار بكر، والأمير إيلبكي وزنكي ابنا برسق، ولهما همذان وما جاورها، والأمير أحمديل، وله مراغة، وكوتب الأمير أبو الهيجاء، صاحب إربل، والأمير إيلغازي، صاحب ماردين، والأمراء البكجية، باللحاق بالملك مسعود ومودود، فاجتمعوا ما عدا الأمير إيلغازي؛ فإنه سير ولده إيازًا وأقام هو، فلما اجتمعوا ساروا إلى بلدة سنجار، ففتحوا عدة حصون للفرنج، وقُتِل من بها منهم، وحصروا مدينة الرها مدة ثم رحلوا عنها من غير أن يملكوها، وكان سبب رحيلهم عنها أن الفرنج اجتمعت جميعها؛ فارسُها وراجِلُها، وساروا إلى الفرات لِيَعبروه ليمنعوا الرها من المسلمين، فلما وصلوا إلى الفرات بلغهم كثرة المسلمين، فلم يقدموا عليه، وأقاموا على الفرات، فلما رأى المسلمون ذلك رحلوا عن الرها إلى حران ليطمع الفرنج ويعبروا الفرات إليهم ويقاتلوهم. فلما رحلوا عنها جاء الفرنج ومعهم الميرة والذخائر إلى الرها، فجعلوا فيها كل من فيه عجز وضعف وفقر، وعادوا إلى الفرات فعبروه إلى الجانب الشامي، وطرقوا أعمال حلب، فأفسدوا ما فيها ونهبوها، وقتلوا فيها وأسروا، وسَبَوا خلقًا كثيرًا، وأما العسكر السلطاني فلما سمعوا بعود الفرنج وعبورهم الفرات، رحلوا إلى الرها وحصروها، فرأوا أمرًا محكمًا، قد قويت نفوس أهلها بالذخائر التي تُركت عندهم، وبكثرة المقاتلين عنهم، ولم يجدوا فيهم مطمعًا، فرحلوا عنها، وعبروا الفرات، فحصروا قلعة تل باشر خمسة وأربعين يومًا، ورحلوا عنها ولم يبلغوا غرضًا، ووصلوا إلى حلب فأغلق الملك رضوان أبواب البلد، ولم يجتمع بهم، ثم مرض هناك الأمير سكمان القطبي فعاد مريضًا فتوفِّي في بالس، فجعله أصحابه في تابوت وحملوه عائدين إلى بلاده، فقصدهم إيلغازي ليأخذهم، ويغنم ما معهم، فجعلوا تابوته في القلب، وقاتلوا بين يديه، فانهزم إيلغازي، وغَنِموا ما معه، وساروا إلى بلادهم، ولما أغلق الملك رضوان أبواب حلب، ولم يجتمع بالعساكر السلطانية، رحلوا إلى معرة النعمان، واجتمع بهم طغتكين، صاحب دمشق، ونزل على الأمير مودود، فاطلع من الأمراء على نيات فاسدة في حقِّه، فخاف أن تؤخذ منه دمشق، فشرع في مهادنة الفرنج سرًّا، وكانوا قد نكلوا عن قتال المسلمين، فلم يتم ذلك، وتفرَّقت العساكِرُ، وكان سبب تفرقهم أن الأمير برسق بن برسق الذي هو أكبر الأمراء كان به نقرس، فهو يُحمَل في محفَّة، ومات سكمان القطبي، وأراد الأمير أحمديل، صاحب مراغة، العود لِيَطلُبَ من السلطان أن يُقطِعَه ما كان لسكمان من البلاد. وأتابك طغتكين، صاحب دمشق، خاف الأمراء على نفسه، فلم ينصحهم، إلا أنه حصل بينه وبين مودود، صاحب الموصل، مودةٌ وصداقة، فتفرقوا لهذه الأسباب، وبقي مودود وطغتكين بالمعرة، فساروا منها، ونزلوا على نهر العاصي، ولما سمع الفرنج بتفرق عساكر الإسلام طمعوا، وكانوا قد اجتمعوا كلهم بعد الاختلاف والتباين، وساروا إلى أفامية، فسمع بهم سلطان بن منقذ، صاحب شيزر، فسار إلى مودود وطغتكين، وهوَّن عليهما أمر الفرنج، وحرَّضهما على الجهاد، فرحلوا إلى شيزر ونزلوا عليها، ونزل الفرنج بالقرب منهم، فضيق عليهم عسكر المسلمين الميرةَ، واضطروهم إلى القتال، والفرنج يحفظون نفوسهم، ولا يعطون مصافًّا، فلما رأوا قوة المسلمين عادوا إلى أفامية، وتبعهم المسلمون، فتخطَّفوا من أدركوه في ساقتهم، وعادوا إلى شيزر في ربيع الأول.

العام الهجري : 505 العام الميلادي : 1111
تفاصيل الحدث:

خرج ألفونسو الفرنجي، صاحب طليطلة بالأندلس، إلى بلاد الإسلام، يطلب مُلكَها والاستيلاءَ عليها، وجمع وحشد فأكثر، وكان قد قَوِيَ طمعه فيها بسبب موت أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، فسمع أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين الخبرَ، فسار إليه في عساكره وجموعه، فلقيه، فاقتتلوا واشتد القتال، وكان الظفر للمسلمين، وانهزم الفرنج وقُتِلوا قتلًا ذريعًا، وأُسِرَ منهم بشر كثير، وسبى منهم وغَنِمَ من أموالهم ما لا يُحصى، فخرج الفرنجُ بعد ذلك، وامتنعوا من قصد بلاده، وذلَّ ألفونسو حينئذ وعلم أن في البلاد حاميًا لها وذابًّا عنها.

العام الهجري : 505 العام الميلادي : 1111
تفاصيل الحدث:

ورد رسولُ ملك الروم إلى السلطان يستنفِرُه على الفرنج، ويحثُّه على قتالهم ودفعِهم عن البلاد، وكان وصولُه قبل وصول أهل حلب، وكان أهل حلب يقولون للسلطان: أما تتقي الله تعالى أن يكون مَلِكُ الروم أكثرَ حميةً منك للإسلام حتى أرسل إليك في جهادِهم؟!

العام الهجري : 505 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1111
تفاصيل الحدث:

اجتمعت الفرنج على قصد مدينة صور وحَصْرِها، فساروا إليها مع الملك بغدوين، صاحب القدس، وحشدوا وجمعوا ونازلوها وحصروها في الخامس والعشرين من جمادى الأولى، وعملوا عليها ثلاثة أبراج خشب، عُلوُّ البرج سبعون ذراعًا، وفي كل برج ألف رجل، ونصبوا عليها المجانيق، وألصقوا أحدها إلى سور البلد، وأخلَوه من الرجال، وكانت صور للآمر بأحكام الله الفاطمي ونائبه بها عز الملك الأعز، فأحضر أهل البلد واستشارهم في حيلةٍ يدفعون بها شرَّ الأبراج عنهم، فقام شيخ من أهل طرابلس وضَمِنَ على نفسه إحراقها، وأخذ معه ألف رجل بالسلاح التام، ومع كل رجل منهم حِزمةُ حطب، فقاتلوا الفرنج إلى أن وصلوا إلى البرج الملتصق بالمدينة، فألقى الحطبَ من جهاته، وألقى فيه النار، ثم خاف أن يشتغل الفرنج الذين في البرج بإطفاء النار، ويتخلَّصوا، فرماهم بجربٍ كان قد أعدها مملوءة من العَذِرة، فلما سقطت عليهم اشتغلوا بها وبما نالهم من سوء الرائحة والتلويث، فتمكَّنت النار منه، فهلك كلُّ من به إلا القليلَ، وأخذ منه المسلمون ما قدروا عليه بالكلاليب، ثم أخذ سلال العنب الكبار، وترك فيها الحطب الذي قد سقاه بالنفط والزفت والكتان والكبريت، ورماهم بسبعين سلة، وأحرق البرجين الآخرين، ثم إن أهل صور حفروا سراديب تحت الأرض ليسقُطَ فيها الفرنج إذا زحفوا إليهم، ولينخسف برج إن عملوه وسيروه إليهم، فاستأمن نفرٌ من المسلمين إلى الفرنج، وأعلموهم بما عملوه، فحذروا منها، وأرسل أهل البلد إلى أتابك طغتكين، صاحب دمشق، يستنجدونه ويطلبونه ليسلِّموا البلد إليه، فسار في عساكره إلى نواحي بانياس، وسَيَّرَ إليهم نجدة مائتي فارس، فدخلوا البلد فامتنع من فيه بهم، واشتد قتالُ الفرنج خوفًا من اتصال النجدات، ففني نشاب الأتراك، فقاتلوا بالخشب، وفني النفط، فظفروا بسرب تحت الأرض فيه نفط لا يُعلَم من خزنه، ثم إن عز الملك، صاحب صور، أرسل الأموالَ إلى طغتكين لِيُكثِرَ من الرجال ويقصدهم ليملك البلد، فأرسل طغتكين طائرًا فيه رقعةٌ لِيُعلِمَه وصول المال، ويأمره أن يقيم مركبًا بمكان ذكره لتجيءَ الرجال إليه، فسقط الطائر على مركب الفرنج، فأخذه رجلان: مسلم وفرنجي، فقال الفرنجي: نطلقه لعلَّ فيه فرجًا لهم، فلم يمكِّنْه المسلم، وحمله إلى الملك بغدوين، فلما وقف عليه سَيَّر مركبًا إلى المكان الذي ذكره طغتكين، وفيه جماعة من المسلمين الذين استأمنوا إليه من صور، فوصل إليهم العسكر، فكلموهم بالعربية، فلم ينكروهم، وركبوا معهم، فأخذوهم أسرى، وحملوهم إلى الفرنج، فقتلوهم وطمعوا في أهل صور، فكان طغتكين يُغير على أعمال الفرنج من جميع جهاتها، وقصَدَ حصن الحبيس في السواد من أعمال دمشق، وهو للفرنج، فحصره وملكه بالسيف، وقتل كل من فيه، وعاد إلى الفرنج الذين على صور، وكان يَقطَع الميرةَ عنهم في البر، فأحضروها في البحر، وخندقوا عليهم ولم يخرجوا إليه، فسار إلى صيدا وأغار على ظاهرها، فقتل جماعة من البحرية، وأحرق نحو عشرين مركبًا على الساحل، وهو مع ذلك يواصِلُ أهل صور بالكتب يأمرهم بالصبر، والفرنج يلازمون قتالهم، وقاتل أهل صور قتالَ من أيس من الحياة، فدام القتالُ إلى أوان إدراك الغلَّات، فخاف الفرنج أن طغتكين يستولي على غلات بلادهم، فساروا عن البلد عاشر شوال إلى عكا، وعاد عسكر طغتكين إليه، وأعطاهم أهل صور الأموال وغيرها، ثم أصلحوا ما تشعَّث من سورها وخندقها، وكان الفرنج قد طَمُّوه.

العام الهجري : 505 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1111
تفاصيل الحدث:

هو الشيخ البحر حُجَّة الإسلام، أُعجوبة الزمان: زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الألوسي الطوسي الشافعي؛ إمام عصره صاحب التصانيف والذكاء المفرط. وُلِدَ بطوس سنة 450, وتفقَّه ببلده أولًا، ثم تحول إلى نيسابور في مرافقة جماعة من الطلبة، فلازم إمام الحرمين، فبرع في عدة علوم في مدة قريبة، ومهر في الكلام والجدل، حتى صار عينَ المناظرين، وشرع في التصنيف. يقول الذهبي: "سار أبو حامد إلى المخيَّم السلطاني، فأقبل عليه نظام الملك الوزير، وسُرَّ بوجوده، وناظَرَ الكبارَ بحضرته، فانبهر له وشاع أمره؛ فولَّاه نظام الملك التدريسَ في نظامية بغداد، فقدمها بعد 480، وسِنُّه نحو الثلاثين، وأخذ في تأليف الأصول والفقه والكلام والحكمة، وأدخَلَه سيلانُ ذهنِه في مضايق الكلام، ومزالِّ الأقدامِ، ولله سرٌّ في خلقه. وعَظُمَ جاه الرجل وازدادت حشمته؛ بحيث إنه في دست أمير، وفي رتبة رئيس كبير، فأدَّاه نظره في العلوم وممارسته لأفانين الزهديات إلى رفض الرئاسة، والإنابة إلى دار الخلود، والتأله والإخلاص وإصلاح النفس، فحجَّ من وقته، وزار بيت المقدس" وأخذ الغزالي في تصنيف كتاب الإحياء وتمَّمه بدمشق، وقد شنع عليه أبو الفرج بن الجوزي ثمَّ ابن الصلاح في ذلك تشنيعًا كثيرًا، وأراد المازري أن يحرق كتاب إحياء علوم الدين، وكذلك غيره من المغاربة، وقالوا: "هذا كتاب إحياء علوم دينه، وأما ديننا فإحياء علومه كتابُ الله وسنة رسوله". قال عبد الغافر في السياق: "لقد زرته مرارًا، وما كنت أحدس في نفسي مع ما عهدته عليه من الزعارة والنظر إلى الناس بعين الاستخفاف كبرًا وخيلاء، واعتزازًا بما رُزِق من البسطة والنطق والذهن وطلب العلو؛ أنَّه صار على الضد، وتصفَّى عن تلك الكدورات، وكنت أظنه متلفعًا بجلباب التكلف، متنمِّسًا بما صار إليه، فتحققت بعد السبر والتنقير أن الأمر على خلاف المظنون، وأن الرجل أفاق بعد الجنون، وحكى لنا في ليالٍ كيفية أحواله من ابتداء ما أظهر له طريق التأله، وغلبة الحال عليه بعد تبحره في العلوم، واستطالته على الكل بكلامه، والاستعداد الذي خصه الله به في تحصيل أنواع العلوم، وتمكُّنه من البحث والنظر، ولما عاد إلى طوس واتخذ في جواره مدرسة للطلبة، وخانقاه للصوفية، ووزع أوقاته على وظائف الحاضرين من ختم القرآن، ومجالسة ذوي القلوب، والقعود للتدريس، حتى توفي بعد مقاساة لأنواع من القصد، والمناوأة من الخصوم، والسعي فيه إلى الملوك، وحفظ الله له عن نوش أيدي النكبات... إلى أن قال: وكانت خاتمة أمره إقباله على طلب الحديث ومجالسة أهله، ومطالعة (الصحيحين)، ومما كان يعترض به عليه وقوع خلل من جهة النحو في أثناء كلامه، ورُوجِعَ فيه، فأنصف واعترف أنه ما مارسه، واكتفى بما كان يحتاج إليه في كلامه، مع أنه كان يؤلِّفُ الخطب، ويشرح الكتب بالعبارة التي يعجز الأدباء والفصحاء عن أمثالها. ومما نُقم عليه ما ذكر من الألفاظ المستبشعة بالفارسية في كتاب (كيمياء السعادة والعلوم) وشرح بعض الصور والمسائل بحيث لا توافق مراسم الشرع وظواهر ما عليه قواعد الملة، وكان الأولى به -والحق أحق ما يقال- ترك ذلك التصنيف، والإعراض عن الشرح له؛ فإن العوامَّ ربما لا يُحكمون أصول القواعد بالبراهين والحجج، فإذا سمعوا شيئًا من ذلك تخيلوا منه ما هو المضرُّ بعقائدهم، وينسُبون ذلك إلى بيان مذهب الأوائل. على أن المنصِفَ اللبيب إذا رجع إلى نفسه علم أن أكثر ما ذكره أبو حامد مما رمز إليه إشارات الشرع، وإن لم يَبُح به، ويوجد أمثاله في كلام مشايخ الطريقة، فلا يجب حمله إذًا إلا على ما يوافق، ولا ينبغي التعلق به في الرد عليه إذا أمكن، وكان الأولى به أن يترك الإفصاحَ بذلك، وقد سمعت أنه سمع سنن أبي داود من القاضي أبي الفتح الحاكمي الطوسي" قلت (الذهبي): ما نقمه عبد الغافر على أبي حامد في الكيمياء فله أمثاله في غضون تواليفه، حتى قال أبو بكر بن العربي: شيخنا أبو حامد بلع الفلاسفة، وأراد أن يتقيَّأهم فما استطاع". وقال عياض القاضي: "والشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة، والتصانيف العظيمة، غلا في طريقة التصوف، وتجرد لنصر مذهبهم، وصار داعيةً في ذلك، وألَّف فيه تواليفه المشهورة، أُخِذ عليه فيها مواضع، وساءت به ظنونُ أمة، والله أعلم بسِرِّه، ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها، فامتثل ذلك". قلت(الذهبي): ما زال العلماء يختلفون ويتكلم العالم في العالم باجتهادِه، وكل منهم معذور مأجور، ومن عاند أو خرق الإجماع فهو مأزور، وإلى الله تُرجَع الأمور". ثم قصد الغزالي مصر وكان ينوي منها للاجتماع بالأمير يوسف بن تاشفين، فبينما هو كذلك بلغه نعي ابن تاشفين، فصرف عزمه عن تلك الناحية، ثم عاد إلى وطنه بطوس واشتغل بنفسه، وصنف الكتب في عدة فنون؛ منها كتاب "الوسيط" و "البسيط" و "الوجيز" و "الخلاصة" في الفقه، وله في أصول الفقه "المستصفى" فرغ من تصنيفه في سادس المحرم سنة 503، وله المنحول والمنتحل في علم الجدل، وله تهافت الفلاسفة، ومحك النظر، ومعيار العلم، والمقاصد، والمضنون به على غير أهله, ولم يُعقِب إلا البنات، ثم ألزم بالعود إلى نيسابور والتدريس بها بالمدرسة النظامية، ثم ترك ذلك وعاد إلى بيته في وطنه، واتخذ خانقاه للصوفية، ومدرسة للمشتغلين بالعلم في جواره، ووزع أوقاته على وظائف الخير؛ مِن خَتمِ القرآن، ومجالسة أهل القلوب، والقعود للتدريس، إلى أن انتقل إلى ربه. وكانت وفاته في يوم الاثنين الرابع عشر من جمادى الآخرة، ودفن بطوس.

العام الهجري : 507 العام الميلادي : 1113
تفاصيل الحدث:

هو الأمير المجاهد شرف الدولة مودود بن التونتكين بن الأتابك زنكي -أتابك يعني الأمير الوالد- بن قسيم الدولة آقسنقر التركماني، صاحب الموصل، أمير من أمراء السلاجقة العظام، كان رجلًا فاضلًا عالمًا مجاهدًا, خيِّرا عادلًا كثير الخير, وهو والد عماد الدين زنكي "أبو الفتح"، وهو من جملة الأمراء والنواب الذين قدموا لقتال الفرنج بالشام، ولما دخلوا دمشق دخل الأمير مودود يوم الجمعة إلى جامعها ليصلِّيَ فيه، فجاءه باطني في زي سائل فطلب منه شيئًا فأعطاه، فلما اقترب منه ضربه في فؤاده، فمات من يومه -رحمه الله، وقيل: بل كان قتله عام 505هـ. وقيل: كان قتله بتحريض من طغتكين التركي. وقيل: إن الباطنية بالشام خافوه وقتلوه، وكان يومها صائمًا. ودفن مودود بدمشق في تربة دقماق صاحبها، وحمل بعد ذلك إلى بغداد، فدُفِنَ في جوار أبي حنيفة، ثم حُمِل إلى أصبهان، وقال ابن الأثير: "إن بغدوين ملك بيت القدس الصليبي كتب كتابًا فيه: إنَّ أمةً تقتُل عميدَها يوم عيدِها في بيت معبودِها لحقيقٌ على الله أن يُبيدَها!".