موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الأولى: تَعريفُ المُباحِ


أوَّلًا: تَعريفُ المُباحِ لُغةً
مُشتَقٌّ مِنَ الإباحةِ، بمَعنى الإظهارِ والإعلانِ، يُقالُ: باحَ يَبوحُ، بمَعنى ظَهَرَ، وبمَعنى الإطلاقِ والإذنِ، يُقالُ: أباحَ لَك مالَه: أي أَذِنَ لَك في الأخذِ والتَّركِ، فالمُباحُ: المَأذونُ فيه [489] يُنظر: ((المصباح المنير)) للفيومي (1/65). .
ثانيًا: تَعريفُ المُباحِ اصطِلاحًا
المُباحُ: هو ما لَم يَطلُبِ الشَّرعُ فِعلَه ولا تَرْكَه [490] يُنظر: ((تقريب الوصول)) (ص: 169). .
وقيلَ: هو ما لا يَستَحِقُّ المُكلَّفُ بفِعلِه ثَوابًا، ولا بتَركِه عِقابًا [491] يُنظر: ((الفصول)) (3/247). .
وقيلَ: هو ما ورَدَ الإذنُ مِنَ اللهِ تعالى بفِعلِه وتَركِه، غيرَ مَقرونٍ بذَمِّ فاعِلِه ومَدحِه، ولا بذَمِّ تارِكِه ومَدحِه [492] يُنظر: ((المستصفى)) (ص: 53). .
وقيلَ: هو ما دَلَّ الدَّليلُ السَّمعيُّ على خِطابِ الشَّارِعِ بالتَّخييرِ فيه بينَ الفِعلِ والتَّركِ [493] يُنظر: ((الإحكام)) (1/123). .
شَرحُ التَّعريفِ المُختارِ وبيانُ مُحتَرَزاتِه:
- جُملةُ: "ما لَم يَطلُبِ الشَّرعُ فِعلَه": يُحتَرَزُ بها عنِ الواجِبِ؛ فإنَّه يُطلَبُ فِعلُه على سَبيلِ الإلزامِ. كما يُحتَرَزُ بها عنِ المَندوبِ؛ فإنَّه يُطلَبُ فِعلُه على سَبيلِ الاستِحبابِ.
- جُملةُ: "ولا تَركَه": يُحتَرَزُ بها عنِ الحَرامِ؛ فإنَّه يُطلَبُ تَركُه على سَبيلِ الإلزامِ. كما يُحتَرَزُ بها عنِ المَكروهِ؛ فإنَّه يُطلَبُ تَركُه على سَبيلِ الاستِحبابِ [494] يُنظر: ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/422)، ((أصول الفقه على منهج أهل السنة)) للسعيدان (1/285). .
حُكمُ المُباحِ:
مِن تَعريفِ المُباحِ يَتَّضِحُ أنَّ حُكمَه التَّخييرُ بينَ الفِعلِ والتَّركِ، فالمُباحُ مِن حيثُ هو مُباحٌ لا يَكونُ مَطلوبَ الفِعلِ، ولا مَطلوبَ الاجتِنابِ، فلا ثَوابَ ولا عِقابَ على واحِدٍ مِنهما [495] يُنظر: ((الموافقات)) للشاطبي (1/171). .
إلَّا إذا فعَلَه المُكلَّفُ بنيَّةِ الاستِعانةِ به على الطَّاعةِ مِنَ الواجِباتِ والسُّنَنِ؛ فإنَّه حينَئِذٍ يُثابُ على نيَّتِه، فالمُباحُ نَفسُه لا ثَوابَ على فِعلِه؛ لأنَّه لا يُتَقَرَّبُ به إلى اللهِ تعالى، وإنَّما يَكونُ الثَّوابُ على نيَّتِه وقَصدِه [496] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (10/460). .
وقد يَتَغيَّرُ حُكمُ المُباحِ بتَغيُّرِ الظُّروفِ والقَرائِنِ التي تَحُفُّ به، فيَنقَلبُ إلى واجِبٍ أو مَندوبٍ أو حَرامٍ أو مَكروهٍ [497] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (1/365)، ((الموافقات)) للشاطبي (1/203). .

انظر أيضا: