المَطلَبُ التَّاسِعَ عَشَرَ: هَلِ العامُّ المَخصوصُ حُجَّةٌ في الباقي؟
العامُّ إذا خُصَّ بمُعَيَّنٍ، فهَل يَجوزُ التَّعَلُّقُ به بَعدَ التَّخصيصِ
[1620] يُنظر: ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (2/142)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (4/1362)، ((الردود والنقود)) للبابرتي (2/124)، ((التحبير)) للمرداوي (5/2376). ؟
ومِن ذلك قَولُ اللهِ تعالى:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ فعُمومُه يَقتَضي تَحريمَ جِلْدِها، ولَكِنَّ الحَديثَ استَثنى الجِلدَ إذا دُبِغَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أيُّما إهابٍ دُبِغ فقد طَهُرَ)) [1621] أخرجه الترمذي (1728)، والنسائي (4241)، وابن ماجه (3609) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما. صَحَّحه الطَّحاويُّ في ((شرح معاني الآثار)) (1/469)، وابن حبان في ((صحيحه)) (1288)، والنووي في ((المجموع)) (1/214)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (1/584). وأخرجه مسلم (366) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، بلفظ: ((إذا دُبِغ الإهابُ فقد طَهُر)). ، فهَل تبقى الآيةُ حُجَّةً في نَجاسةِ ما عَدا الجِلدَ مِنَ الميتةِ أم لا
[1622] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/524). ؟
اختَلَف الأُصوليُّونَ في هذه المَسألةِ على أقوالٍ، والرَّاجِحُ: أنَّ العامَّ إذا خُصَّ بمُعَيَّنٍ فهو حُجَّةٌ في الباقي مُطلَقًا.
وهو مَنقولٌ عن: أبي حَنيفةَ
[1623] يُنظر: ((أصول السرخسي)) (1/144)، ((كشف الأسرار)) للنسفي (1/168). ، ومالكٍ
[1624] يُنظر: ((المقدمة)) لابن القصار (ص: 125). ، والشَّافِعيِّ
[1625] يُنظر: ((المنخول)) للغزالي (ص: 227). ، وأحمدَ
[1626] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (2/533)، ((التمهيد)) للكلوذاني (2/142)، ((أصول الفقه)) لابن مفلح (2/794)، ((التذكرة)) للمقدسي (ص: 296). ، ومُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ
[1627] يُنظر: ((أصول السرخسي)) (1/144). .
وهو قَولُ جُمهورِ الحَنَفيَّةِ
[1628] يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (1/246)، ((تقويم الأدلة)) للدبوسي (ص: 107)، ((أصول السرخسي)) (1/144)، ((المغني)) للخبازي (ص: 109)، ((تيسير التحرير)) لأمير بادشاه (1/313). وقال السَّمَرقَنديُّونَ مِنهم: (إنَّه يوجِبُ العَمَلَ دونَ العِلمِ؛ وذلك بناءً على أنَّ العامَّ الذي لم يُخصَّ منه شَيءٌ لا يوجِبُ العِلمَ قَطعًا، ولَكِن يَصِحُّ الاحتِجاجُ به في حَقِّ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ). ((ميزان الأصول)) لعلاء الدين السمرقندي (ص: 290). قال الجَصَّاصُ: (والذي عِندي مِن مَذهَبِ أصحابِنا في هذا المَعنى أنَّ تَخصيصَ العُمومِ لا يَمنَعُ الاستِدلالَ به فيما عَدا المَخصوصَ، وعليه تَدُلُّ أُصولُهم واحتِجاجُهم للمَسائِلِ). ((الفصول)) (1/246). ، وجُمهورِ المالِكيَّةِ
[1629] يُنظر: ((المقدمة)) لابن القصار (ص: 125). ، والشَّافِعيَّةِ
[1630] يُنظر: ((التلخيص)) لإمام الحرمين (2/41)، ((البدر الطالع)) للمحلي (1/369). ، والحَنابِلةِ
[1631] يُنظر: ((أصول الفقه)) لابن مفلح (2/794)، ((المختصر)) لابن اللحام (ص: 109)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (3/161). ، وعَزاه ابنُ الحاجِبِ إلى المُحَقِّقينَ
[1632] يُنظر: ((منتهى الوصول والأمل)) (ص: 78). .
وحَكاه الشَّوكانيُّ عنِ الجُمهورِ، ثُمَّ قال: (هو الحَقُّ الذي لا شَكَّ فيه ولا شُبهةَ)
[1633] يُنظر: ((إرشاد الفحول)) (1/341). .
الأدِلَّةُ:1- إجماعُ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم؛ فإنَّهم قد ورَدَ عنهمُ التَّعَلُّقُ بالعُمومِ المَخصوصِ، ومِن أمثِلةِ ذلك:
أنَّ فاطِمةَ رَضِيَ اللهُ عنها طَلَبَت ميراثَها مِن أبيها، واحتَجَّت بقَولِ اللهِ تعالى:
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء: 11] ، ولَم يُنكِرْ عليها أبو بَكرٍ ولا غَيرُه مِنَ الصَّحابةِ الاحتِجاجَ بهذه الآيةِ، وهيَ مَخصوصةٌ؛ فإنَّ الولَدَ الكافِرَ والقاتِلَ والعَبدَ لا يَرِثونَ، وإنَّما أُجيبَت بتَخصيصٍ آخَرَ، وهو أنَّ الأنبياءَ عليهمُ السَّلامُ لا يُورَثونَ
[1634] لَم نَقِفْ على احتِجاجِ فاطِمةَ رَضِيَ اللهُ عنها عِندَ طَلَبِ ميراثِها مِن أبيها، بقَولِ اللهِ تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء: 11] . والقِصَّةُ في الصَّحيحِ بلَفظ: عن عائِشةَ أنَّ فاطِمةَ والعَبَّاسَ عليهما السَّلامُ أتَيا أبا بَكرٍ يَلتَمِسانِ ميراثَهما مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهما حينَئِذٍ يَطلُبانِ أرضَيهما مِن فدَكَ، وسَهمَهما مِن خَيبَرَ، فقال لهما أبو بَكرٍ: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: لا نورَثُ؛ ما تَرَكنا صَدَقةٌ، إنَّما يَأكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِن هذا المالِ، قال أبو بَكرٍ: واللهِ لا أدَعُ أمرًا رَأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَصنَعُه فيه إلَّا صَنَعتُه، قال: فهَجَرَته فاطِمةُ، فلَم تُكَلِّمْه حتَّى ماتَت. أخرجه البخاري (6725، 6726) واللَّفظُ له، ومسلم (1759). .
واحتَجَّ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما بقَولِه تعالى:
وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء: 23] في التَّحريمِ بالرَّضعةِ الواحِدةِ، ورَدَّ لذلك خَبَرَ ابنِ الزُّبَيرِ، وقال: (قَضاءُ اللَّهِ تعالى أَولى مِن قَضاءِ ابنِ الزُّبَيرِ)، وهو قَولُه: (لا تُحَرِّمُ الرَّضعةُ ولا الرَّضعَتانِ)
[1635] عن عَمرِو بنِ دينارٍ، قال: سُئِلَ ابنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عنه- عن شَيءٍ مِن أمرِ الرَّضاعِ، فقال: لا أعلَمُ إلَّا أنَّ اللَّهَ قد حَرَّمَ الأُختَ مِنَ الرَّضاعةِ. فقُلتُ: إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ ابنَ الزُّبَيرِ يَقولُ: لا تُحَرِّمُ الرَّضعةُ ولا الرَّضعَتانِ، ولا المَصَّةُ ولا المَصَّتانِ. فقال ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه: قَضاءُ اللَّهِ خَيرٌ مِن قَضائِك وقَضاءِ أميرِ المُؤمِنينَ مَعَك. أخرجه سعيد بن منصور في ((السنن)) (984)، والدارقطني (5/316)، والبيهقي (15738) واللَّفظُ له. صَحَّحَ إسنادَه البَيهَقيُّ في ((الخلافيات)) (4694). وعن عَمرِو بنِ دينارٍ سَمِعَ رَجُلًا قال لابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه: إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ ابنَ الزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عنهما يَقولُ: لا تُحَرِّمُ الرَّضعةُ والرَّضعَتانِ. فقال ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه: كِتابُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ أصدَقُ مِن أميرِ المُؤمِنينَ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ. قَرَأ حتَّى بَلَغَ: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ. أخرجه البيهقي (15739). . ومَعلومٌ أنَّ الآيةَ مَخصوصةٌ بأن يَكونَ الرَّضاعُ في مُدَّةِ الحَولَينِ.
وهذا إجماعٌ مِنهم على الاحتِجاجِ بالعُمومِ المَخصوصِ، واستِدلالُهم بالعُموماتِ المَخصوصةِ كَثيرٌ؛ لأنَّه لا يُعرَفُ عُمومٌ لَم يَلحَقْه خُصوصٌ إلَّا في النُّدرةِ وعلى الشُّذوذِ؛ فإذًا عامَّةُ ما تعَلَّق به الصَّحابةُ والعُلَماءُ مِن بَعدِهم مِنَ العُموماتِ هيَ عُموماتٌ مَخصوصةٌ
[1636] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/178)، ((التمهيد)) للكلوذاني (2/144)، ((الواضح)) لابن عقيل (3/367)، ((بذل النظر)) للأسمندي (ص: 243)، ((الإحكام)) للآمدي (2/234)، ((شرح المعالم)) لابن التلمساني (1/471)، ((الكافي)) للسغناقي (2/682). .
2- القياسُ على الاستِثناءِ؛ فإنَّ قيامَ دَلالةِ التَّخصيصِ في مَعنى الاستِثناءِ المُتَّصِلِ بالجُملةِ، ولا فَرقَ بَينَهما، مِن جِهةِ أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهما يَخرُجُ مِنَ الجُملةِ ما لَولاه لدَخلَ فيها، فلَمَّا لم يَمنَعِ الاستِثناءُ مِن بَقاءِ دَلالةِ اللَّفظِ في الباقي، وصارَتِ الجُملةُ مَعَ الاستِثناءِ عِبارةً عَمَّا عَدا المَخصوصَ بالِاستِثناءِ، وجَبَ أن يَكونَ كذلك حُكمُ دَلالةِ التَّخصيصِ في بَقاءِ دَلالةِ اللَّفظِ مَعَه فيما عَداه
[1637] يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (1/248)، ((الواضح)) لابن عقيل (3/368)، ((التحرير)) لابن الهمام (ص: 123). .
3- أنَّ النَّصَّ العامَّ يَتَناولُ كُلَّ واحِدٍ مِنَ الأفرادِ، كَأنَّه نَصَّ عليه، فإذا خُصَّ منه شَيءٌ مَعلومٌ يبقى الباقي داخلًا تَحتَه بيَقينٍ؛ فإنَّه إذا قال: (اقتُلوا المُشرِكينَ، ولا تَقتُلوا أهلَ الذِّمَّةِ) فإذا خَرَجَ أهلُ الذِّمَّةِ يَبقى اللَّفظُ في الباقي قَطعًا.
وإذا ثَبَتَ هذا يَجِبُ أن يَبقى حُجَّةً ودليلًا؛ لأنَّ دَليلَ الشَّرعِ ما يُتَوصَّلُ به إلى مَعرِفةِ حُكمِ الشَّرعِ، وبَعدَما خُصَّ منه شَيءٌ مَعلومٌ يُمكِنُ التَّوصُّلُ به إلى مَعرِفةِ حُكمِ الشَّرعِ في الباقي، فيَجِبُ أن يَبقى حُجَّةً
[1638] يُنظر: ((ميزان الأصول)) لعلاء الدين السمرقندي (ص: 292). .
4- أنَّ القَولَ بعَدَمِ حُجِّيَّتِه يُؤَدِّي إلى أنَّه لا تَبقى حُجَّةٌ في عُموماتِ الكِتابِ والسُّنَّةِ؛ لأنَّ أكثَرَها مَخصوصةٌ، فيُؤَدِّي ذلك إلى تَعطيلِ الاستِدلالِ
[1639] يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 227)، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (3/387). .
قال إمامُ الحَرَمَينِ: (إنِ استَوعَبَ الطَّالِبُ عُمُرَه مُكِبًّا على الطَّلَبِ الحَثيثِ، فلا يَطَّلِعُ على عامٍّ شَرعيٍّ لا يَتَطَرَّقُ إليه الخُصوصُ)
[1640] ((البرهان)) (1/150). .
وقيلَ: إنَّ العامَّ إذا خُصَّ بمُعَيَّنٍ فليس بحُجَّةٍ في الباقي. ومَعنى أنَّه ليس بحُجَّةٍ: أنَّه يَصيرُ مُجمَلًا، ويُنزَّلُ مَنزِلةَ ما إذا كان المَخصوصُ مجهولًا، فلا يُستَدَلُّ به في بَقيَّةِ المُبهَماتِ إلَّا بدَليلٍ
[1641] يُنظر: ((تشنيف المسامع)) للزركشي (2/727). .
وهو قَولُ بَعضِ الشَّافِعيَّةِ
[1642] يُنظر: ((التلخيص)) لإمام الحرمين (2/40). ، وبَعضِ الحَنابِلةِ
[1643] يُنظر: ((أصول الفقه)) لابن مفلح (2/794)، ((التذكرة)) للمقدسي (ص: 300). ، وحَكاه القَفَّالُ الشَّاشيُّ عن أهلِ العِراقِ
[1644] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (4/361)، ((التحبير)) للمرداوي (5/2372)، ((إجابة السائل)) للصنعاني (ص: 357)، ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (1/341). .
وقيلَ: إنَّ العامَّ إذا خُصَّ بمُتَّصِلٍ، كالشَّرطِ والِاستِثناءِ والصِّفةِ، فهو حُجَّةٌ فيما بَقيَ، وإن خُصَّ بمُنفصِلٍ فلا يَكونُ حُجَّةً، بَل يَصيرُ مجمَلًا. وهو قَولُ بَعضِ الحَنَفيَّةِ، كالكَرخيِّ، ومُحَمَّدِ بنِ شُجاعٍ، ورِوايةٌ عن عيسى بنِ أبانَ
[1645] يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (1/245)، ((أصول الفقه)) للمشي (ص: 128)، ((بذل النظر)) للأسمندي (ص: 240)، ((فواتح الرحموت)) للكنوي (1/310). وكان الكَرخيُّ يَقولُ: (إنَّ هذا مَذهَبي، ولا يُمكِنُني أن أُعزيَه إلى أصحابِنا). يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (1/246). ونُقِلَ عنِ الكَرخيِّ أيضًا القَولُ بالتَّوقُّفِ، ومِمَّن نَقَلَه عنه: الدَّبُوسيُّ. يُنظر: ((تقويم الأدلة)) (ص: 105)، والسرخسي. يُنظر: ((أصوله)) (1/144). .
وقيلَ: يَجوزُ التَّمَسُّكُ به في أقَلِّ الجَمعِ، وهو اثنانِ أو ثَلاثةٌ على الخِلافِ؛ لأنَّه المُتَعَيَّنُ، ولا يَجوزُ فيما زادَ عليه. وهو قَولُ بَعضِ الأُصوليِّينَ
[1646] يُنظر: ((التقريب والإرشاد)) للباقلاني (3/123)، ((التلخيص)) للإمام الحرمين (2/42)، ((تيسير التحرير)) لأمير بادشاه (1/313). .
وقال صَفيُّ الدِّينِ الهِنديُّ: (هذا يُشبِهُ أن يَكونَ قَولَ مَن لا يُجَوِّزُ التَّخصيصَ إلى أقَلَّ مِن أقَلِّ الجَمعِ)
[1647] ((نهاية الوصول)) (4/1488). .
وقيلَ بالتَّوقُّفِ، فلا نَقولُ: خاصٌّ أو عامٌّ إلَّا بدَليلٍ. حَكاه ابنُ القَطَّانِ
[1648] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (4/364)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (4/1505)، ((التحبير)) للمرداوي (5/2373). .
وقيلَ: غَيرُ ذلك
[1649] يُنظر: ((ميزان الأصول)) لعلاء الدين السمرقندي (ص: 291)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (4/1486)، ((الردود والنقود)) للبابرتي (2/125). .
أمثِلةٌ تَطبيقيَّةٌ للمَسألةِ:تَظهَرُ ثَمَرةُ الخِلافِ في هذه المَسألةِ في بَعضِ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- الاستِثناءُ؛ فإنَّه مِن جُملةِ المُخَصِّصاتِ المُتَّصِلةِ، ومَعَ ذلك لَو قال: أعتِقْ هؤلاء إلَّا واحِدًا. صَحَّ، ولَزِمَه العَمَلُ بذلك، بَل لَو قال: له عليَّ دِرهَمٌ إلَّا شَيئًا. فإنَّه يَصِحُّ، مَعَ أنَّه مُبهَمٌ مِن كُلِّ وَجهٍ، ثُمَّ يُفسِّرُه بما أرادَه
[1650] يُنظر: ((التمهيد)) للإسنوي (ص: 414). .
2- إذا قال: لزَيدٍ عَليَّ عَشَرةٌ إلَّا خَمسةً أو سِتَّةً. فقد نَقَلَ الرَّافِعيُّ عنِ المُتَولِّي أنَّه يَلزَمُه أربَعةٌ؛ لأنَّ الدِّرهَمَ الزَّائِدَ مَشكوكٌ فيه، فصارَ كقَولِه: عليَّ أربَعةٌ أو خَمسةٌ. ثُمَّ قال: ويُمكِنُ أن يُقالَ: يَلزَمُه خَمسةٌ؛ لأنَّه أثبَتَ عَشَرةً، واستَثنى خَمسةً، وشَكَكْنا في استِثناءِ الدِّرهَمِ السَّادِسِ.
واعتَرَضَ النَّوَويُّ في الرَّوضةِ، فقال: (الصَّوابُ قَولُ المُتَولِّي؛ لأنَّ المُختارَ أنَّ الاستِثناءَ بَيانُ ما لَم يَرِدْ بأوَّلِ الكَلامِ، لا أنَّه إبطالُ ما ثَبَتَ)
[1651] ((روضة الطالبين)) (4/407). ويُنظر أيضًا: ((التمهيد)) للإسنوي (ص: 414)، ((شرح ذريعة الوصول)) للزبيدي (ص: 441). .
3- إذا اشتَبَهَ إناءٌ نَجِسٌ بأوانٍ طاهرةٍ، فإن كان العَدَدُ مَحصورًا لَم يَجُزْ أن يَهجُمَ ويَأخُذَ ما يَشاءُ، بَل يَجتَهدُ في الأواني.
وإن كان غَيرَ مَحصورٍ فلَه أن يَأخُذَ بَعضَها بغَيرِ اجتِهادٍ، وإلى أيِّ حَدٍّ يَنتَهي الأخذُ؟ فيه وجهانِ عِندَ الشَّافِعيَّةِ، أصَحُّهما: إلى أن يَبقى واحِدٌ. والثَّاني: إلى أن يَنتَهيَ إلى عَدَدٍ لَو كان عليه ابتِداءً -وهو العَدَدُ المَحصورُ- لَم يَجُزْ أن يَأخُذَ شَيئًا
[1652] يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (1/40)، ((التمهيد)) للإسنوي (ص: 415)، ((شرح ذريعة الوصول)) للزبيدي (ص: 441). .