موسوعة أصول الفقه

الفَرعُ الأوَّلُ: الفرقُ بَينَ التَّقييدِ والتَّخصيصِ


يُمكِنُ إيجازُ الفَرقِ بَينَ التَّقييدِ والتَّخصيصِ فيما يلي [2174] يُنظر: ((العقد المنظوم)) للقرافي (2/105)، ((الكافي)) شرح البزدوي (2/733)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/198)، ((المطلق والمقيد)) للصاعدي (ص: 437). :
1- التَّقييدُ إخراجُ ما كان صالِحًا لتَناوُلِ اللَّفظِ المُطلَقِ عن طَريقِ البَدَلِ لَولا وُرودُ المُقَيَّدِ.
وأمَّا التَّخصيصُ فهو إخراجٌ لبَعضِ الأفرادِ التي استَغرَقَها اللَّفظُ العامُّ بوَضعِه اللُّغَويِّ على تَقديرِ عَدَمِ المُخَصِّصِ.
2- المُخَصِّصُ مُعارِضٌ لظاهرِ العُمومِ، فيَتَعَيَّنُ طَلَبُ التَّرجيحِ بَينَهما، والمُقَيَّدُ ليس مُعارِضًا للمُطلَقِ؛ ولذلك يُقبَلُ التَّقييدُ لمُطلَقِ الدَّليلِ، ولا يُخَصَّصُ إلَّا بما هو أرجَحُ.
3- التَّقييدُ تَصَرُّفٌ فيما سَكَتَ عنه اللَّفظُ المُطلَقُ. وأمَّا التَّخصيصُ فهو تَصَرُّفٌ فيما تَناولَه اللَّفظُ العامُّ ظاهرًا، فإذا قُلتَ: "أعطِ الرَّجُلَ الفقيرَ دِرهَمًا" بَعدَ قَولِك: "أعطِ الرَّجُلَ دِرهَمًا" لَكان التَّقييدُ بالصِّفةِ -وهيَ الفقرُ هنا- تَصَرُّفًا فيما سَكَتَ عنه لَفظُ "الرَّجُل" في وضعِه اللُّغَويِّ وبَيانًا له؛ لأنَّ لَفظَ "الرَّجُل" في وضعِه اللُّغَويِّ إنَّما يَدُلُّ على خِلافِ المَرأةِ، وهو لا يَدُلُّ على غَنيٍّ أو فقيرٍ، بَل هو ساكِتٌ عن ذلك، فجاءَ التَّقييدُ إذًا تَصَرُّفًا فيما سَكَتَ عنه اللَّفظُ في الوضعِ اللُّغَويِّ ومُبَيِّنًا لِما لم يَتَناوَلْه لُغةً.
بخِلافِ التَّخصيصِ؛ فإنَّه تَصَرُّفٌ فيما تَناولَه اللَّفظُ ظاهرًا؛ لأنَّه لَو قيلَ في العامِّ: "عاقِبِ المُذنِبينَ" ثُمَّ قيلَ: "لا تُعاقِبِ الأطفالَ مِنهم"، لَكان القِسمُ الأوَّلُ مِنَ الكَلامِ -وهو "عاقِبِ المُذنِبينَ"- متناوِلًا للقِسمِ الثَّاني بوضعِه اللُّغَويِّ، وعَمَلًا بدَلالةِ العُمومِ، فجاءَ الشَّطرُ الثَّاني مِنَ الكَلامِ مُتَصَرِّفًا فيما تَناولَه الشَّطرُ الأوَّلُ لُغةً، ومُبيِّنًا عَدَمَ شُمولِه للأطفالِ المُذنِبينَ.
4- التَّقييدُ مِن حَيثُ هو يَقتَضي إيجابَ شَيءٍ زائِدٍ، فلَو قال الشَّارِعُ: "أعتِقْ رَقَبةً" أجزَأَ المَأمورَ بالعِتقِ إعتاقُ أيِّ رَقَبةٍ كانت، سَواءٌ كانت مُؤمِنةً أو كافِرةً، ولَكِن إذا قَيَّدَها بالإيمانِ فقال: "أعتِقْ رَقَبةً مُؤمِنةً" وجَبَ على المَأمورِ إعتاقُ رَقَبةٍ مُؤمِنةٍ، ولا يُجزِئُه غَيرُها، فالتَّقييدُ إذًا زيادةُ قَيدٍ على اللَّفظِ المُطلَقِ، واعتِبار ذلك في مَدلولِه، وفيه نَوعُ مَشَقَّةٍ.
أمَّا التَّخصيصُ فهو في حَقيقَتِه لا يَقتَضي الإيجابَ، وإنَّما يَقتَضي الدَّفعَ لبَعضِ ما تَناولَه الحُكمُ العامُّ، وذلك نُقصانٌ في الحُكمِ وتَخفيفٌ عنِ المُكَلَّفِ.
قال القَرافيُّ: (التَّقييدُ زيادةٌ على مَدلولِ اللَّفظِ، والتَّخصيصُ تَنقيصٌ مِن مَدلولِ اللَّفظِ؛ فإنَّك إذا زِدتَ على مَفهومِ الرَّقَبةِ أو مَفهومِ حالةٍ ما الإيمانَ أوِ الحَرابةَ؛ فقد تَصَوَّرتَ مَعنًى زائِدًا على ما كان مُتَحَصِّلًا مَعَك أوَّلًا، مِن غَيرِ أن يَنقُصَ مِمَّا كان مَعَك شَيءٌ، أمَّا إذا خَصَصتَ وأخرَجتَ بَعضَ أفرادِ العُمومِ عن حُكمِه في جَميعِ الحالاتِ فقد نَقَصَت تلك الأفرادُ مِمَّا كان مَدلولًا للَّفظِ أوَّلًا) [2175] ((العقد المنظوم)) (2/105). .
5- التَّقييدُ مُفرَدٌ، والتَّخصيصُ جُملةٌ، والمُرادُ بالمُفرَدِ هنا: ما لا يَستَقِلُّ بنَفسِه عن إفادةِ تَمامِ المَعنى، وبالجُملةِ: ما كان مُستَقِلًّا بذاتِه في إفادةِ المَعنى.
6- التَّقييدُ أعَمُّ مِنَ التَّخصيصِ؛ لأنَّه يَدخُلُ على الخاصِّ، وقد يَدخُلُ على العامِّ، بخِلافِ التَّخصيصِ؛ فإنَّه لا يَدخُلُ إلَّا على العامِّ.

انظر أيضا: