موسوعة أصول الفقه

الفرعُ الثَّاني: المَنطوقُ الدَّالُّ على مُتَعَدِّدٍ


وهو اللَّفظُ الذي استُعمِلَ في أكثَرَ مِن مَعنًى، كَأن يَكونَ للَّفظِ مَعنًى لُغَويٌّ وآخَرُ شَرعيٌّ أو عُرفيٌّ.
واللَّفظُ الذي تَعَدَّدَت مَعانيه يُحمَلُ على الحَقيقةِ الشَّرعيَّةِ، فإن لَم يَكُنْ له حَقيقةٌ شَرعيَّةٌ، أو كان ولَم يُمكِنِ الحَملُ عليها، فعلى الحَقيقةِ العُرفيَّةِ المَوجودةِ في عَهدِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ لأنَّه المُتَبادِرُ إلى الفَهمِ؛ فإن تَعَذَّرَ حُمِلَ على الحَقيقةِ اللُّغَويَّةِ؛ ولذا فإنَّ عِباراتِ الشَّرعِ يَجِبُ أن تُحمَلَ على المَعنى الشَّرعيِّ، ولا يُعدَلَ عنه إلى غَيرِه إلَّا بقَرينةٍ صارِفةٍ [2298] يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص: 190)، ((نهاية السول)) للإسنوي (ص: 148). .
مِثالُ الأوَّلِ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَخل على عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها فقال: ((أعندَك شَيءٌ؟ فقالت: لا، فقال: إنِّي إذًا أصومُ)) [2299] أخرجه مسلم (1154) ولَفظُه: عن عائِشةَ أُمِّ المُؤمِنينَ قالت: دَخَلَ عليَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يَومٍ فقال: هَل عِندَكُم شَيءٌ؟ فقُلنا: لا، قال: فإنِّي إذَن صائِمٌ. ، فهنا يُحمَلُ على الصَّومِ الشَّرعيِّ، فيَدُلُّ على صِحَّةِ صَومِ النَّفلِ بنيَّةٍ مِنَ النَّهارِ.
ومِثالُ الثَّاني: قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الطَّوافُ صَلاةٌ، فإذا طُفتُم فأقِلُّوا الكَلامَ)) [2300] أخرجه النسائي (2922)، وأحمد (15423) واللَّفظُ له من حديثِ رَجُلٍ أدرَكَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن النسائي)) (2922)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (15423)، وقال ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (1/197): رِوايةٌ صحيحةٌ. وصَحَّ موقوفًا عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، ولَفظُه: عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قال: الطَّوافُ مِنَ الصَّلاةِ، فأقِلُّوا فيه الكَلامَ. أخرجه مِن طُرُق: النسائي في ((السنن الكبرى)) (3931)، وعبد الرزاق (9789)، والبيهقي (9377) واللَّفظُ له. صَحَّحه البَيهَقيُّ. وعنِ ابنِ عُمَر يَقولُ: أقِلُّوا الكَلامَ في الطَّوافِ؛ فإنَّما أنتُم في الصَّلاةِ. أخرجه النسائي (2923) واللفظ له، والشافعي في ((الأم)) (3/438)، والبيهقي (9366). صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن النسائي)) (2923)، وصَحَّحَ إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (7/127). . فهنا تَعَذَّرَ الحَملُ على المَعنى الشَّرعيِّ، فيُحمَلُ على المَعنى المَجازيِّ، وبَيانُ ذلك أنَّه لَمَّا تَعَذَّرَ حَقيقةُ الصَّلاةِ، يُقالُ: إنَّه كالصَّلاةِ في اشتِراطِ الطَّهارةِ والنِّيَّةِ؛ رِعايةً لقَصدِ الشَّارِعِ بما أمكَنَ، أو يُحمَلُ على المَعنى اللُّغَويِّ، وهو الدُّعاءُ [2301] يُنظر: ((شرح العضد)) (3/120)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (2/444). .

انظر أيضا: