موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الثَّاني: تَعريفُ التَّعارُضِ اصطِلاحًا


التَّعارُضُ اصطِلاحًا هو: تَقابُلُ الدَّليلَينِ على سَبيلِ المُمانَعةِ [2] يُنظر: ((بديع النظام)) لابن الساعاتي (2/686)، ((أصول الفقه)) لابن مفلح (4/1581)، ((البحر المحيط)) للزركشي (8/120)، ((التحبير)) للمرداوي (8/4126). .
وقيلَ هو: تَقابُلُ الأمرَينِ على وجهٍ يَمنَعُ كُلٌّ مِنهما مُقتَضى صاحِبِه [3] يُنظر: ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (1/507)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (5/1782)، ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 392). .
وقيلَ هو: تَقابُلُ الحُجَّتَينِ المُتَساويَتَينِ على وجهٍ لا يُمكِنُ الجَمعُ بَينَهما بوَجهٍ [4] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/75). .
وقيلَ هو: تَقابُلُ الحُجَّتَينِ نَفيًا وإثباتًا في زَمانٍ واحِدٍ [5] يُنظر: ((الردود والنقود)) للبابرتي (1/505). ويُنظر: ((التوضيح)) لصدر الشريعة ضمن ((التلويح للتفتازاني)) (2/205). .
شَرحُ التَّعريفِ المُختارِ وبَيانُ مُحتَرَزاتِه:
- لَفظُ "تَقابُلُ": عامٌّ يَشمَلُ كُلَّ تَقابُلٍ، فيَدخُلُ التَّقابُلُ الواقِعُ بَينَ حُكمَينِ مُختَلِفينِ، كالوُجوبِ والتَّحريمِ، ويَدخُلُ التَّقابُلُ الواقِعُ بَينَ أقوالِ المُجتَهِدينَ، ويَدخُلُ التَّقابُلُ بَينَ الدَّليلَينِ.
- عِبارةُ: "تَقابُلُ الدَّليلَينِ": أخرجت ما سَبَقَ إلَّا تَقابُلَ الدَّليلَينِ.
- عِبارةُ: "على سَبيلِ المُمانَعةِ": أُتيَ بها لبَيانِ أنَّه يُشتَرَطُ في الدَّليلَينِ المُتَعارِضَينِ: أن يَدُلَّ أحَدُ الدَّليلَينِ على غَيرِ ما يَدُلُّ عليه الآخَرُ، كأن يَدُلَّ أحَدُهما على الجَوازِ، والآخَرُ يَدُلُّ على التَّحريمِ، فدَليلُ الجَوازِ يَمنَعُ التَّحريمَ، ودَليلُ التَّحريمِ يَمنَعُ الجَوازَ، فكُلٌّ مِنهما مُقابِلٌ الآخَرَ، ومُعارِضٌ له، ومانِعٌ مِنه [6] يُنظر: ((التحبير)) للمرداوي (8/4126)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (4/605)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2411). .
قال الشَّافِعيُّ: (لا يُنسَبُ الحَديثانِ إلى الِاختِلافِ ما كان لهما وَجهٌ يُمضَيانِ مَعًا، إنَّما المُختَلِفُ ما لم يُمضَ إلَّا بسُقوطِ غَيرِه، مِثلُ أن يَكونَ الحَديثانِ في الشَّيءِ الواحِدِ؛ هذا يُحِلُّه، وهذا يُحَرِّمُه) [7] ((الرسالة)) (ص: 342). .
أمثِلةٌ تَوضيحيَّةٌ:
1- مِنَ القُرآنِ الكَريمِ:
قال اللهُ تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة: 234] .
وقال اللهُ سُبحانَه: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق: 4] .
فهاتانِ الآيَتانِ مُتَعَلِّقَتانِ ببَيانِ عِدَّةِ المَرأةِ التي تُوفِّي زَوجُها، وظاهِرُ الحُكمِ المُستَفادِ مِنَ الآيةِ الأولى يُعارِضُ الحُكمَ المُستَفادَ مِنَ الآيةِ الثَّانيةِ؛ فالآيةُ الأولى تَجعَلُ عِدَّةَ الوفاةِ أربَعةَ أشهُرٍ سَواءٌ أكانت حامِلًا أم غَيرَ حامِلٍ، والثَّانيةُ تُحَدِّدُ أجَلَ انتِهاءِ عِدَّةِ الحامِلِ بوَضعِ الحَملِ، سَواءٌ أكانتِ المَرأةُ مُتَوفًّى عنها زَوجُها أم مُطَلَّقةً [8] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (3/ 174)، ((دفع إيهام الاضطراب)) لمحمد الأمين الشنقيطي (ص: 48)، ((أصول الفقه الإسلامي)) لوهبة الزحيلي (2/1174). .
2- مِنَ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ:
عن أُسامةَ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ألَّا إنَّما الرِّبا في النَّسيئةِ)) [9] أخرجه البخاري (2178، 2179)، ومسلم (1596) واللَّفظُ له من حديثِ أسامةَ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهما. .
وعن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تَبيعوا الذَّهَبَ بالذَّهَبِ إلَّا مِثلًا بمِثلٍ...)) [10] أخرجه البخاري (2177)، ومسلم (11584). .
فالحَديثُ الأوَّلُ فيه حَصرٌ للرِّبا في رِبا النَّسيئةِ، وهذا يَعني إباحةَ رِبا الفَضلِ، ولَكِنَّ الحَديثَ الثَّانيَ يَدُلُّ على تَحريمِ هذا النَّوعِ مِنَ الرِّبا، فيَكونُ بَينَ الحَديثَينِ تَعارُضٌ ظاهِرٌ في حُكمِ هذا النَّوعِ [11] يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (11/23)، ((فتح الباري)) لابن حجر (4/382)، ((أصول الفقه الإسلامي)) لوهبة الزحيلي (2/1174). .

انظر أيضا: