موسوعة أصول الفقه

الفرعُ الخامِسُ: الفرقُ بَينَ النَّسخِ والبَداءِ


البَداءُ في اللُّغةِ يَأتي بمَعنى الظُّهورِ والِانكِشافِ بَعدَ الخَفاءِ.
ويَأتي بمَعنى نَشأةِ رَأيٍ جَديدٍ لم يَكُنْ، تَقولُ: بَدا له في الأمرِ بَدوًا وبَداءً وبَداةً، أي: نَشَأ له فيه رَأيٌ [99] يُنظر: ((العين)) للخليل (8/83)، ((لسان العرب)) لابن منظور (14/65). .
والبَداءُ يَستَلزِمُ سَبقَ الجَهلِ، وحُدوثَ العِلمِ، وكِلاهما مُحالٌ على اللهِ تعالى.
ومِن هنا يَظهَرُ الفرقُ بَينَ النَّسخِ والبَداءِ؛ فالبَداءُ: هو أن يَأمُرَ بالأمرِ، والآمِرُ لا يَدري ما يَؤولُ إليه الحالُ، وأمَّا النَّسخُ فهو أن يَأمُرَ بالأمرِ والآمِرُ يَدري أنَّه سَيُحيلُه في وقتِ كَذا، ولا بُدَّ مِن سَبقِ ذلك في عِلمِه. فالبَداءُ ليس مِن صِفاتِ الباري تعالى، وهو أن يَأمُرَ بالأمرِ لا يَدري ما عاقِبَتُه. وأمَّا النَّسخُ فمِن صِفاتِ اللهِ تعالى مِن جِهةِ أفعالِه كُلِّها، وهو القَضاءُ بالأمرِ وقد عَلِمَ أنَّه سَيُحيلُه بَعدَ مُدَّةٍ مَعلومةٍ عِندَه عَزَّ وجَلَّ كما سَبَقَ في عِلمِه تعالى؛ فاللهُ عَزَّ وجَلَّ لا تَخفى عليه خافيةٌ، ولا تَستَتِرُ عليه غائِبةٌ، بَلِ الأشياءُ كُلُّها له باديةٌ، أحاطَ بكُلِّ شَيءٍ عِلمًا، وأحصى كُلَّ شَيءٍ عَدَدًا، لا يَعزُبُ عنه مِثقالُ ذَرَّةٍ، فلم يَجُزِ البَداءُ عليه، ولا يُتَصَوَّرُ ذلك في حَقِّه تعالى [100] يُنظر: ((الإحكام)) لابن حزم (4/68)، ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/420، 421)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (6/2237، 2238)، ((البحر المحيط)) للزركشي (5/205). .

انظر أيضا: