الفَرعُ الأوَّلُ: الفرقُ بَينَ النَّسخِ والتَّخصيصِ
يُعرَفُ التَّخصيصُ بأنَّه إخراجُ بَعضِ ما يَتَناولُه اللَّفظُ العامُّ
[93] يُنظر: ((نفائس الأصول)) للقرافي (2/968)، ((نهاية السول)) للإسنوي (ص: 191)، ((تيسير الوصول)) لابن إمام الكاملية (3/286). ؛ فالتَّخصيصُ يُشارِكُ النَّسخَ في أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهما قد يوجِبُ تَخصيصَ الحُكمِ ببَعضِ ما تَناولَه اللَّفظُ لُغةً، فكُلٌّ مِنهما فيه قَصرٌ للحُكمِ على بَعضِ مُشتَمَلاتِه، إلَّا أنَّ بَينَهما فُروقًا، ومِن هذه الفُروقِ ما يَلي
[94] يُنظر: ((المحصول)) للرازي (3/9)، ((التحقيق والبيان)) للأبياري (4/535)، ((الإحكام)) للآمدي (3/113)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/587)، ((البحر المحيط)) للزركشي (4/327)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (2/540)، ((أصول الفقه)) لعياض السلمي (ص: 322). :
1- أنَّ التَّخصيصَ يَدُلُّ على أنَّ ما خَرَجَ عنِ العُمومِ لم يَكُنِ المُتَكَلِّمُ قد أرادَ بلَفظِه الدَّلالةَ عليه، والنَّسخُ يَدُلُّ على أنَّ المَنسوخَ لم يُرَدِ التَّكليفُ به، وإن كان قد أرادَ بلَفظِه الدَّلالةَ عليه.
2- أنَّ التَّخصيصَ لا يَرِدُ على الأمرِ بمَأمورٍ واحِدٍ، مِثلُ: أعطِ زَيدًا، والنَّسخُ قد يَرِدُ على الأمرِ بمَأمورٍ واحِدٍ.
3- أنَّ النَّسخَ لا يَكونُ إلَّا بخِطابٍ مِنَ الشَّارِعِ (الأدِلَّةِ النَّقليَّةِ)، بخِلافِ التَّخصيصِ؛ فإنَّه يَجوزُ بالقياسِ وبِغَيرِه مِنَ الأدِلَّةِ العَقليَّةِ والسَّمعيَّةِ، وبِالقَرائِنِ الحاليَّةِ والقَرائِنِ المَقاليَّةِ.
4- أنَّ النَّاسِخَ لا بُدَّ وأن يَكونَ مُتَراخيًا عنِ المَنسوخِ، بخِلافِ المُخَصِّصِ؛ فإنَّه يَجوزُ أن يَكونَ مُتَقدِّمًا على المُخَصَّصِ ومُتَأخِّرًا عنه.
5- أنَّ التَّخصيصَ لا يُخرِجُ العامَّ عنِ الِاحتِجاجِ به مُطلَقًا في مُستَقبَلِ الزَّمانِ؛ فإنَّه يَبقى مَعمولًا به فيما عَدا صورةَ التَّخصيصِ، بخِلافِ النَّسخِ؛ فإنَّه قد يُخرِجُ الدَّليلَ المَنسوخَ حُكمُه عنِ العَمَلِ به في مُستَقبَلِ الزَّمانِ بالكُلِّيَّةِ، وذلك عِندَما يَرِدُ النَّسخُ على الأمرِ بمَأمورٍ واحِدٍ.
6- النَّسخُ رَفعٌ للحُكمِ بَعدَ ثُبوتِه في بَعضِ الأزمانِ، بخِلافِ التَّخصيصِ؛ فإنَّه لا يَرفعُ الحُكمَ بالكُلِّيَّةِ، بَل يَرفعُه فقَط عن بَعضِ أفرادِ العامِّ؛ فهو بَيانٌ لعَدَمِ دُخولِ بَعضِ أفرادِ العامِّ في حُكمِه.
7- يَجوزُ نَسخُ شَريعةٍ بأخرى
[95] قال القَرافيُّ: (هذا الإطلاقُ وقَعَ في كُتُبِ العُلَماءِ كَثيرًا، فالمُرادُ أنَّ الشَّريعةَ المُتَأخِّرةَ قد تَنسَخُ بَعضَ أحكامِ الشَّريعةِ المُتَقدِّمةِ، أمَّا كُلُّها فلا). ((نفائس الأصول)) (4/1932). ، ولا يَجوزُ تَخصيصُ شَريعةٍ بأخرى.
8- العامُّ يَجوزُ نَسخُ حُكمِه حتَّى لا يَبقى مِنه شَيءٌ، بخِلافِ التَّخصيصِ؛ فإنَّه لا يَجوزُ إيرادُه على العامِّ بحَيثُ لا يَبقى مِنه شَيءٌ، بَل لا بُدَّ أن يَبقى مِنه شَيءٌ.
9- تَخصيصُ المَقطوعِ بالمَظنونِ جائِزٌ، كالقياسِ، وخَبَرِ الواحِدِ ونَحوِهما مِنَ الأدِلَّةِ المُخَصَّصةِ، بخِلافِ النَّسخِ؛ فإنَّ الحُكمَ المَقطوعَ بدَليلِه لا يُنسَخُ إلَّا بقاطِعٍ مِثلِه.
10- التَّخصيصُ لا يَكونُ إلَّا لبَعضِ الأفرادِ، وأمَّا النَّسخُ فإنَّه قد يَشمَلُ جَميعَ الأفرادِ، فيَرفعُ الحُكمَ عنِ الجَميعِ، وقد يَرفعُ الحُكمَ عن بَعضِهم دونَ بَعضٍ.
11- التَّخصيصُ يَدخُلُ الأخبارُ، والنَّسخُ لا يَدخُلُها؛ لأنَّ الخَبَرَ لا يُمكِنُ تَبديلُه ورَفعُه؛ فالنَّسخُ يَختَصُّ بأحكامِ الشَّرعِ.
12- أنَّ التَّخصيصَ يَجوزُ أن يَكونَ بالإجماعِ، والنَّسخُ لا يَجوزُ أن يَكونَ بالإجماعِ.
13- أنَّ التَّخصيصَ لا يَدخُلُ في غَيرِ العامِّ، بخِلافِ النَّسخِ؛ فإنَّه يَرفعُ حُكمَ العامِّ والخاصِّ.