موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الخامِسُ: أهَمِّيَّةُ مَعرِفةِ النَّسخِ


مِن شُروطِ الِاجتِهادِ: أن يَعرِفَ المُجتَهِدُ النَّاسِخَ والمَنسوخَ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، فلا يَجوزُ لمَن لم يَعرِفِ النَّاسِخَ والمَنسوخَ أن يَجتَهدَ؛ لأنَّ المَنسوخَ بَطَل حُكمُه، وصارَ العَمَلُ على النَّاسِخِ، فإن لم يُعرَفِ النَّاسِخُ مِنَ المَنسوخِ، أفضى إلى إثباتِ المَنفيِّ، ونَفيِ المُثبَتِ.
ويَكفي المُجتَهِدَ أن يَعرِفَ أنَّ دَليلَ هذا الحُكمِ ليس بمَنسوخٍ، فلا يُشتَرَطُ أن يَعرِفَ جَميعَ الأحاديثِ المَنسوخةِ والنَّاسِخةِ، مَعَ أنَّ مَعرِفةَ ذلك أيسَرُ مِن غَيرِه؛ لقِلَّةِ المَنسوخِ بالنِّسبةِ إلى المُحكَمِ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ [102] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/580)، ((المدخل)) لابن بدران (1/370). .
قال القُرطُبيُّ: (مَعرِفةُ هذا البابِ أكيدةٌ، وفائِدَتُه عَظيمةٌ... لِما يَتَرَتَّبُ عليه مِنَ النَّوازِلِ في الأحكامِ، ومَعرِفةِ الحَلالِ مِنَ الحَرامِ؛ رَوى أبو البختريِّ، قال: دَخَلَ عَليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه المَسجِدَ، فإذا رَجُلٌ يُخَوِّفُ النَّاسَ. فقال: ما هذا؟ قالوا: رَجُلٌ يُذَكِّرُ النَّاسَ. فقال: ليس برَجُلٍ يُذَكِّرُ النَّاسَ، ولَكِنَّه يَقولُ: أنا فُلانُ بنُ فُلانٍ فاعرِفوني! فأرسَلَ إليه، فقال: أتَعرِفُ النَّاسِخَ مِنَ المَنسوخِ؟ فقال: لا. قال: فاخرُجْ مِن مَسجِدِنا، ولا تُذَكِّرْ فيه [103] أخرجه النحاس في ((الناسخ والمنسوخ)) (ص47)، والفسوي في ((غوامض الأسماء)) (1/257). . وفي رِوايةٍ أخرى: أعَلِمتَ النَّاسِخَ والمَنسوخَ؟ قال: لا، قال: هَلَكتَ وأهلَكتَ [104] أخرجه أبو خيثمة في ((العلم)) (130)، والبيهقي في ((المدخل إلى السنن)) (184) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُ أبي خيثمةَ: عن أبي عَبد الرَّحمَنِ أنَّ عَليًّا عليه السَّلامُ مَرَّ بقاصٍّ، فقال: أتَعرِفُ النَّاسِخَ مِنَ المَنسوخِ؟ قال: لا، قال: هَلَكتَ وأهلَكتَ. صَحَّحَ إسنادَه على شَرطِ الشَّيخَينِ: الألبانيُّ في ((العلم)) (130). وأخرجه مِن طَريقٍ آخَرَ: عبد الرزاق (5407) باختلافٍ يسيرٍ. [105] ((تفسير القرطبي)) (2/62). .

انظر أيضا: