موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ التَّاسِعُ: طُرُقُ مَعرِفةِ النَّسخِ


يُعرَفُ النَّسخُ بطَريقةٍ مِنَ الطُّرُقِ الآتيةِ [122] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/340)، ((شرح مختصر أصول الفقه)) للجراعي (3/182)، ((غاية السول)) لابن المبرد (ص: 90)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (3/566). :
1- النَّقلُ المُجَرَّدُ الدَّالُّ على رَفعِ الحُكمِ.
2- النَّقلُ المَشوبُ باستِدلالٍ عقليٍّ، كالإجماعِ على أنَّ هذا الحُكمَ مَنسوخٌ، كَإباحةِ الخَمرِ؛ فإنَّ نَسخَها عُرِف بالإجماعِ.
3- نَقلُ الرَّاوي، نَحوُ: (رُخِّصَ لَنا في المُتعةِ، ثُمَّ نُهينا عنها) [123] أخرجه مسلم (1405) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ سَلَمةَ بنِ الأكوَعِ رَضِيَ اللهُ عنه، بلَفظِ: ((رَخَّصَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عامَ أوطاسَ في المُتعةِ ثَلاثًا، ثُمَّ نَهى عنها)). ، كما رُويَ عن عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عنِ المُتعةِ، وعن لُحومِ الحُمُرِ الأهليَّةِ زَمَنَ خَيبَرَ [124] أخرجه البخاري (5115) واللَّفظُ له، ومسلم (1407). .
4- دَلالةُ لَفظِ الحَديثِ على النَّسخِ، نَحوُ: ((نَهَيتُكُم عن زيارةِ القُبورِ فزوروها)) [125] أخرجه مسلم (977) من حديثِ بُرَيدةَ بنِ الحُصَيبِ الأسلَميِّ رَضِيَ اللهُ عنه. ، فهذا نَصٌّ في الدَّلالةِ على نَسخِ المَنعِ، وتَصريحٌ به.
5- التَّاريخُ، نَحوُ قَولِ الرَّاوي: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَنةَ خَمسٍ كَذا، وعامَ الفتحِ كَذا، أو يَكونُ في الحَديثِ ما يَدُلُّ على تَأخُّرِ أحَدِ الخَبَرَينِ، كحَديثِ طَلقِ بنِ عَليٍّ الحَنَفيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه سُئِلَ عن مَسِّ الذَّكَرِ هَل يَنقُضُ الوُضوءَ، فقال: ((هَل هو إلَّا بَضعةٌ مِنك؟)) [126] أخرجه أحمد (../23)، وابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (1/352) واللفظ لهما، والدارقطني (1/273). صَحَّحه ابنُ حزم في ((المحلى)) (1/238)، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (1/306)، والصنعاني في ((العدة على الإحكام)) (1/199): صحيحٌ أو حَسَنٌ. ، وقد جاءَ في إحدى الرِّواياتِ عن طَلقٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: ((خَرَجنا وفدًا حتَّى قَدِمنا على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فبايَعناه وصَلَّينا مَعَه، فلَمَّا قَضى الصَّلاةَ جاءَ رَجُلٌ كَأنَّه بَدَويٌّ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، ما تَرى في رَجُلٍ مَسَّ ذَكَرَه في الصَّلاةِ؟ قال: وهَل هو إلَّا مُضغةٌ مِنكَ أو بَضعةٌ مِنكَ؟)) [127] أخرجه أبو داود (182)، والترمذي (85)، والنسائي (165) واللَّفظُ له. صَحَّحه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1/76)، وابن حبان في ((صحيحه)) (1120)، وأحمد شاكر في ((شرح سنن الترمذي)) (1/131)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (165)، وقال محمد ابن عبد الهادي في ((تعليقة على العلل)) (83): حَسَنٌ أو صحيحٌ. ، وكان قُدومُ وَفدِ بَني حَنيفةَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أوَّلَ سَنةٍ مِنَ الهجرةِ؛ حَيثُ كان المُسلِمونَ يَبنونَ مَسجِدَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالمَدينةِ، وأمَّا حَديثُ أبي هرَيرةَ وبُسرَةَ وأمِّ حَبيبةَ رَضِيَ اللهُ عنهم في نَقضِ الوُضوءِ بمَسِّ الذَّكَرِ فقد جاءَ بَعدَ ذلك؛ لأنَّ أبا هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مُتَأخِّرُ الإسلامِ؛ إذ أسلَمَ سَنةَ سَبعٍ.
6- مَوتُ راوي أحَدِ الخَبرَينِ قَبلَ إسلامِ الرَّاوي الثَّاني.
قال القَرافيُّ: (يُعرَفُ النَّسخُ بالنَّصِّ على الرَّفعِ، أو على ثُبوتِ النَّقيضِ أوِ الضِّدِّ، ويُعلَمُ التَّاريخُ بالنَّصِّ على التَّأخيرِ، أوِ السَّنةِ، أوِ الغَزوةِ، أوِ الهِجرةِ، ويُعلَمُ نِسبةُ ذلك إلى زَمانِ الحُكمِ، أو برِوايةِ مَن ماتَ قَبلَ رِوايةِ الحُكمِ الأخيرِ) [128] ((شرح تنقيح الفصول)) (ص: 321). .
ما لا يَثبُتُ به النَّسخُ:
لا يُعرَفُ النَّسخُ بدَليلٍ عَقليٍّ ولا قياسيٍّ؛ وذلك لأنَّ النَّسخَ إمَّا رَفعٌ لحُكمٍ شَرعيٍّ، أو بَيانٌ لمُدَّةِ انتِهائِه، وكِلاهما لا طَريقَ للعَقلِ إلى مَعرِفتِه. ولَو كان للعَقلِ طَريقٌ إلى مَعرِفةِ النَّسخِ بدونِ النَّقلِ لَكان له طَريقٌ إلى مَعرِفةِ ثُبوتِ الأحكامِ بدونِ النَّقلِ، وليس كذلك [129] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/340)، ((شرح مختصر أصول الفقه)) للجراعي (3/182). .

انظر أيضا: