موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الثَّانيةُ: أن يَكونَ مَعدومًا


مِن شُروطِ الفِعلِ المُكلَّفِ به: أن يَكونَ مَعدومًا، لَم يوجَدْ بَعدُ، أي: أن يَكونَ غيرَ حاصِلٍ حالَ الأمرِ به إن كان مَأمورًا به، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ خِلافًا لبَعضِ المُتَكلِّمينَ [590] يُنظر: ((شرح مختصر أصول الفقه)) للجراعي (1/474)، ((المسودة)) لآل تيمية (ص: 57)، ((أصول الفقه)) لعياض السلمي (ص: 74). ويُنظر أيضا: ((نزهة الخاطر العاطر)) لابن بدران (1/ 125). . ومِمَّن ذَهَبَ إلى رَأيِ الجُمهورِ: أبو يَعلى [591] ((العدة)) (2/ 400). ، وابنُ قُدامةَ [592] ((روضة الناظر)) (1/ 167). ، والطُّوفيُّ [593] ((شرح مختصر الروضة)) (1/ 223). ، والزَّركَشيُّ [594] ((البحر المحيط)) (2/ 108). ، والشِّنقيطيُّ [595] ((مذكرة أصول الفقه)) (ص: 49). .
فيُشتَرَطُ أن يَكونَ الفِعلُ المَطلوبُ مَعدومًا، فالصَّلاةُ والصَّومُ المَأمورُ بهما وقتَ الطَّلَبِ لا بُدَّ أن يَكونا غيرَ مَوجودَينِ، والمُكلَّفُ مُلزَمٌ بإيجادِهما على الوَجهِ المَطلوبِ، أمَّا المَوجودُ الحاصِلُ فلا يَصِحُّ التَّكليفُ به، كما لَو صَلَّى ظُهرَ هذا اليَومِ بعَينِه صَلاةً تامَّةً، فلا يُمكِنُ أمرُه بإيجادِ تلك الصَّلاةِ بعَينِها التي أدَّاها على أكمَلِ وجهٍ؛ لأنَّ الأمرَ بتَحصيلِها مَعناه أنَّها غيرُ حاصِلةٍ [596] يُنظر: ((مذكرة أصول الفقه)) لمحمد الأمين الشنقيطي (ص: 49). ويُنظر أيضًا: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/ 223). قيل: هذا الشَّرطُ لا يَنطَبِقُ إلَّا على المَأمورِ به، أمَّا المَنهيُّ عنه فيُمكِنُ أن يَكونَ مَعدومًا، كما يُنهى المُسلِمُ عنِ الزِّنا وهو لَم يَرتَكِبْه، وعنِ الكذِبِ وهو لَم يَكذِبْ، ويَكونُ مَوجودًا، كما يُنهى الكاذِبُ عنِ الكذِبِ، وشارِبُ الخَمرِ عن شُربِه، مَعَ مُباشَرَتِه للفِعلِ المُحَرَّمِ، وقد يُقالُ: إنَّ النَّهيَ عنِ الفِعلِ المُستَقبَلِ وهو مَعدومٌ، لا عنِ المَوجودِ الواقِعِ. يُنظر: ((أصول الفقه)) لعياض السلمي (ص: 74). .
ويَدُلُّ على هذا الشَّرطِ ما يَلي:
1- أنَّ التَّكليفَ بتَحصيلِ المَوجودِ تَحصيلُ حاصِلٍ، وهو مُحالٌ كاستِحالةِ الجَمعِ بينَ الضِّدَّينِ؛ لأنَّ السَّعيَ في تَحصيلِه مَعناه أنَّه غيرُ حاصِلٍ بالفِعلِ، وكونُه حاصِلًا بالفِعلِ يُنافي ذلك؛ فصارَ المَعنى هو غيرُ حاصِلٍ هو حاصِلٌ. وهذا تَناقُضٌ، واجتِماعُ النَّقيضَينِ مُستَحيلٌ، وهذا لا يَرِدُ به الشَّرعُ؛ لذا لَم يَحسُنِ الأمرُ بإيجادِ المَوجودِ [597] قال الشِّنقيطيُّ: (تَنبيهٌ: مِثلُ قَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ... الآية. صَريحٌ في الأمرِ بما هو حاصِلٌ وَقتَ الطَّلَبِ؛ لأنَّه مُتَّقٍ وَقتَ أمرِه بالتُّقى. والجَوابُ: أنَّ أمرَه بالتَّقوى يُرادُ به الدَّوامُ على ذلك، أو أمرُ أُمَّتِه بأمرِه؛ لأنَّه قُدوةٌ لَهم). ((مذكرة أصول الفقه)) (ص: 49). .
2- أنَّ المَوجودَ قَد خَرَجَ بوُجودِه عن كونِه مَأمورًا به؛ لأنَّه لَو لَم يَكُنْ كذلك لَكان لا يَخرُجُ عن كونِه واجِبًا؛ لأنَّ الوُجوبَ مِن مُقتَضى الأمرِ، وهذا يوجِبُ بَقاءَ الفرائِضِ على المُكَلَّفينَ بَعدَ فِعلِهم لَها على الوَجهِ المَأمورِ به، وفي بُطلانِ ذلك دَليلٌ واضِحٌ على امتِناعِ جَوازِ الأمرِ بالمَوجودِ [598] ((العدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى (2/ 401). .
3- أنَّه لا يَحسُنُ أن يُؤمَرَ مَن هو قائِمٌ بالقيامِ، ومَن هو يَكتُبُ بالكِتابةِ؛ وذلك لكونِ المَأمورِ به مَوجودًا، فكذلك هنا [599] يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص: 70)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/ 167)، ((البحر المحيط)) للزركشي (2/ 108)، ((مذكرة أصول الفقه)) لمحمد الأمين الشنقيطي (ص: 49)، ((معالم أصول الفقه)) للجيزاني (ص: 336)، ((إتحاف ذوي البصائر)) لعبدالكريم النملة (ص: 163). .

انظر أيضا: