موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الأوَّلُ: حُكمُ الاجتِهادِ على وَجهِ الإجمالِ


الاجتِهادُ مَشروعٌ إجمالًا بشُروطِه المُعتَبَرةِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ [31] قال ابنُ تَيميَّةَ: (الذي عليه جَماهيرُ الأُمَّةِ أنَّ الاجتِهادَ جائِزٌ في الجُملةِ). ((مجموع الفتاوى)) (20/203). .
قال الشَّاطِبيُّ: (لا بُدَّ مِن حُدوثِ وقائِعَ لا تَكونُ مَنصوصًا على حُكمِها، ولا يوجَدُ للأوَّلينَ فيها اجتِهادٌ، وعِندَ ذلك فإمَّا أن يُترَكَ النَّاسُ فيها مَعَ أهوائِهم، أو يُنظَرَ فيها بغَيرِ اجتِهادٍ شَرعيٍّ، وهو أيضًا اتِّباعٌ للهَوى، وذلك كُلُّه فسادٌ... فإذًا لا بُدَّ مِنَ الاجتِهادِ في كُلِّ زَمانٍ؛ لأنَّ الوقائِعَ المَفروضةَ لا تَختَصُّ بزَمانٍ دونَ زَمانٍ) [32] ((الموافقات)) (5/ 39). .
والواقِعُ يُقَرِّرُ وُجودَ مَسائِلَ كَثيرةٍ غَيرِ مَنصوصٍ على حُكمِها، ولم يَسبِقْ لأهلِ العِلمِ فيها اجتِهادٌ، ولا يُؤثَرُ عنهم فيها شَيءٌ، مِثلُ: أطفالِ الأنابيبِ، واستِئجارِ الأرحامِ، والاستِنساخِ، وأحكامِ التَّجَنُّسِ، والعَمَلِ السِّياسيِّ في غَيرِ بلادِ الإسلامِ، وكَثيرٍ مِن صورِ المُعامَلاتِ الماليَّةِ المُستَحدَثةِ، ولِكُلِّ زَمانٍ نوازِلُه وأقضيَتُه [33] يُنظَر: ((فقه النوازل للأقليات المسلمة)) لمحمد يسري (1/ 258). .
الأدِلَّةُ:
1- قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا حَكَم الحاكِمُ فاجتَهَدَ ثُمَّ أصابَ فله أجرانِ، وإذا حَكَمَ فاجتَهَدَ ثُمَّ أخطَأ فله أجرٌ)) [34] أخرجه البخاري (7352)، ومسلم (1716) من حديثِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنه. .
2- وُقوعُ الاجتِهادِ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في وقائِعَ كَثيرةٍ [35] يُنظَر: ((معالم أصول الفقه)) للجيزاني (ص: 479). .
3- أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أذِنَ لأصحابِه رَضِيَ اللهُ عنهم بالاجتِهادِ، وكان يُقِرُّهم على الصَّوابِ مِنِ اجتِهاداتِهم [36] يُنظَر: ((معالم أصول الفقه)) للجيزاني (ص: 479). ويُنظَر أيضًا: ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (4/481). ، فمِن ذلك قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لسَعدِ بنِ مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عنه لمَّا حَكَّمَه في بَني قُرَيظةَ: ((لقد حَكَمتَ فيهم بحُكمِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ)) [37] أخرجه مسلم (1768) من حديثِ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. وأخرجه مسلم (1769) من حديثِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها. وفي لَفظٍ: ((قَضَيتَ بحُكمِ اللهِ، ورُبَّما قال: قَضَيتَ بحُكمِ المَلِكِ)) أخرجه البخاري (4121)، ومسلم (1768) واللَّفظُ له من حديثِ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. .

انظر أيضا: