موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الثَّاني: حُكمُ الاجتِهادِ على وَجهِ التَّفصيلِ


عِندَ التَّفصيلِ في حُكمِ الاجتِهادِ نَجِدُ أنَّه قد تَعتَريه أحكامٌ تَكليفيَّةٌ مُختَلِفةٌ، بحَسَبِ اختِلافِ الأحوالِ، على النَّحوِ التَّالي [38] يُنظَر: ((المسودة)) لآل تيمية (ص: 371)، ((البحر المحيط)) للزركشي (8/ 240)، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (2/ 280- 282)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/ 2327). :
1- الوُجوبُ الكِفائيُّ:
إذا وُجِدَ عَدَدٌ مِنَ المُجتَهِدينَ عِندَ وُقوعِ الحادِثةِ، فيَكونُ الاجتِهادُ فَرضًا كِفائيًّا على كُلٍّ مِنهم، فإنِ اجتَهَدَ أحَدُهم ووصَلَ إلى الحُكمِ سَقَطَ الطَّلَبُ عنِ البَقيَّةِ، وإن تَركَه الجَميعُ أثِموا، ويَتَأكَّدُ فَرضُ الكِفايةِ على مَن خُصَّ بالسُّؤالِ عنها، فإن أجابَ هو أو غَيرُه سَقَطَ الفرضُ، وإلَّا أثِموا جَميعًا [39] يُنظَر: ((رفع النقاب)) للشوشاوي (6/ 33). .
قال الزَّركَشيُّ: (لمَّا لم يَكُنْ بُدٌّ مِن تَعَرُّفِ حُكمِ اللهِ في الوَقائِعِ، وتَعَرُّفُ ذلك بالنَّظَرِ غَيرُ واجِبٍ على التَّعيينِ، فلا بُدَّ أن يَكونَ وُجودُ المُجتَهِدِ مِن فُروضِ الكِفاياتِ، ولا بُدَّ أن يَكونَ في كُلِّ قُطرٍ ما تَقومُ به الكِفاياتُ؛ ولذلك قالوا: إنَّ الاجتِهادَ مِن فُروضِ الكِفاياتِ) [40] ((البحر المحيط)) (8/ 239). .
2- الوُجوبُ العَينيُّ:
وذلك في الحالاتِ الآتيةِ [41] يُنظَر: ((البحر المحيط)) للزركشي (8/ 239- 240)، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (6/ 33)، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (2/ 280). :
الحالةُ الأولى: يَكونُ الاجتِهادُ فَرضَ عَينٍ على المُجتَهِدِ في حَقِّ نَفسِه عِندَ نُزولِ الحادِثةِ، فإذا وصَلَ اجتِهادُه إلى حُكمٍ لَزِمَه العَمَلُ به؛ لأنَّه غَلَبَ على ظَنِّه أنَّه حُكمُ اللهِ تعالى، ولأنَّه لا يَجوزُ له أن يُقَلِّدَ مُجتَهِدًا آخَرَ.
الحالةُ الثَّانيةُ: يَكونُ الاجتِهادُ فَرضَ عَينٍ على المُجتَهِدِ إذا كان قاضيًا، وتَعَيَّن عليه الحُكمُ في المَسألةِ ليَفصِلَ فيها، ويُنهِيَ النِّزاعَ والخُصومةَ، ويُصدِرَ حُكمًا بَينَ المُتَخاصِمَينِ؛ لأنَّ عَدَمَ الاجتِهادِ يَقتَضي تَأخيرَ البَيانِ عن وقتِ الحاجةِ، وهذا لا يَجوزُ.
الحالةُ الثَّالِثةُ: يَكونُ الاجتِهادُ فَرْضَ عَينٍ على المُجتَهِدِ إذا سُئِلَ عن حادِثةٍ وقَعَت، وخاف فَوتَها على غَيرِ وَجهِها الشَّرعيِّ، ولم يوجَدْ غَيرُه؛ لأنَّ تَركَ الاجتِهادِ ومَعرِفةِ الحُكمِ الشَّرعيِّ يُؤَدِّي إلى تَأخيرِ البَيانِ عن وقتِ الحاجةِ، وهو مَمنوعٌ شرعًا.
3- النَّدبُ:
وذلك إذا كانتِ الحاجةُ قائِمةً مَعَ وُجودِ غَيرِه مِنَ المُجتَهِدينَ، وكان الوقتُ مُتَّسِعًا، أو يَكونُ ما يَجتَهِدُ فيه المُجتَهِدُ مِن غَيرِ النَّوازِلِ [42] يُنظَر: ((البحر المحيط)) للزركشي (8/ 240)، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (6/ 33). .
4- الكَراهةُ:
وذلك إذا كانتِ المَسألةُ مُستَبعَدةَ الوُقوعِ؛ لكَونِه لا نَفعَ فيه، وكَذا ما لا تَتَعَلَّقُ به مَصلَحةٌ خاصَّةٌ ولا عامَّةٌ، ولأنَّ الصَّحابةَ فمَن بَعدَهم تَحَرَّجوا مِن هذا النَّوعِ حتَّى تَنزِلَ بالنَّاسِ حاجةٌ فِعليَّةٌ، بَل نَهَوا عن تلك الأُغلوطاتِ والاستِغراقِ في الافتِراضاتِ البَعيدةِ [43] يُنظَر: ((معالم أصول الفقه)) للجيزاني (ص: 480)، ((فقه النوازل للأقليات المسلمة)) لمحمد يسري (1/ 252). .
5- الحُرمةُ:
يَكونُ الاجتِهادُ حَرامًا على المُجتَهِدِ فيما لا يَجوزُ الاجتِهادُ فيه، كالاجتِهادِ في مُقابَلةِ نَصٍّ قَطعيٍّ، أو سُنَّةٍ مُتَواتِرةٍ قَطعيَّةِ الدَّلالةِ، أو في مُقابَلةِ الإجماعِ الذي سَبَقَ الحادِثةَ [44] يُنظَر: ((المستصفى)) للغزالي (ص: 345)، ((الإحكام)) للآمدي (4/ 164)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (4/ 14)، ((البحر المحيط)) للزركشي (8/ 314)، ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (2/ 211)، ((أصول الفقه الإسلامي)) لوهبة الزحيلي (2/ 1055). .
وتَسميةُ هذا النَّوعِ اجتِهادًا إنَّما هو مِن قَبيلِ التَّجَوُّزِ والمَجازِ؛ لأنَّه في الحَقيقةِ أمرٌ باطِلٌ، ولَيسَ اجتِهادًا أصلًا، كَما يَحرُمُ الاجتِهادُ على مَن فقَدَ شُروطَه، ولم يَكُنْ أهلًا له [45] ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (2/ 281). .
6- الإباحةُ:
إذا كانتِ الحاجةُ لم تَقُمْ لكِنَّها مُتَوقَّعةٌ، وكان الوقتُ مُتَّسِعًا، وحَيثُ خَلا الاجتِهادُ عن حُكمٍ مِنَ الخَمسةِ السَّابِقةِ فهو مُباحٌ [46] يُنظَر: ((معالم أصول الفقه)) للجيزاني (ص: 480)، ((فقه النوازل للأقليات المسلمة)) لمحمد يسري (1/ 253). .

انظر أيضا: