موسوعة أصول الفقه

المَبحَثُ الخامِسُ: تَجَزُّؤُ الاجتِهادِ


المُرادُ بتَجَزُّؤِ الاجتِهادِ جَرَيانُه في بَعضِ المَسائِلِ دونَ بَعضٍ [47] يُنظَر: ((شرح العضد على مختصر ابن الحاجب)) (3/ 582)، ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (2/ 216)، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (2/ 315). .
وذلك بأن يَحصُلَ لإنسانٍ رُتبةُ الاجتِهادِ في بَعضِ المَسائِلِ دونَ بَعضٍ، فما تَمَكَّنَ فيه مِنَ الاجتِهادِ اجتَهَدَ فيه، وما لم يَتَمَكَّنْ منه قَلَّدَ فيه مُجتَهِدًا آخَرَ [48] يُنظَر: ((تشنيف المسامع)) للزركشي (4/ 576)، ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 700). .
فيَكونُ المُجتَهِدُ مُقتَدِرًا على الاجتِهادِ في مَسألةٍ أو مَسائِلَ بأعيانِها فقَط مِن مَسائِلِ الفِقهِ، أو في بابٍ أو أبوابٍ بأعيانِها فقَط مِن أبوابِه -كبابِ البُيوعِ أوِ الفرائِضِ مَثَلًا- إلَّا أنَّه غَيرُ مُقتَدِرٍ على الاجتِهادِ في جَميعِ مَسائِلِ الفِقهِ وأبوابِه، وهو المُسَمَّى بمُجتَهِدِ البابِ أوِ المَسألةِ، ويُسَمَّى هذا النَّوعُ مِنَ الاجتِهادِ عادةً بالاجتِهادِ الخاصِّ، أو بالاجتِهادِ الجُزئيِّ، أو بالاجتِهادِ المُتَجَزِّئِ [49] يُنظَر: بحث: ((تجزؤ الاجتهاد)) لحسونة والصيفي ((مجلة دراسات علوم الشريعة- الجامعة الأردنية)) (ع: 2/2010) (ص: 553). .
ويَجوزُ تَجَزُّؤُ الاجتِهادِ، وهو مَذهَبُ جُمهورِ العُلَماءِ [50] قال ابنُ تَيميَّةَ: (جُمهورُ عُلَماءِ المُسلِمينَ على أنَّ القُدرةَ على الاجتِهادِ والاستِدلالِ مِمَّا يَنقَسِمُ ويَتَبَعَّضُ). ((منهاج السنة النبوية)) (2/ 244). وقال البِرْماويُّ: (الأكثَرونَ على أنَّ ذلك جائِزٌ). ((الفوائد السنية)) (5/ 2232). وقال ابنُ الوزيرِ: (تَجَزِّي الاجتِهادِ هو الصَّحيحُ عِندَ الجُمهورِ). ((العواصم والقواصم)) (1/ 351). وقال مُحَمَّد الأمين الشِّنقيطيُّ: (الصَّحيحُ الذي عليه الأكثَرُ جَوازُ تَجَزُّؤِ الاجتِهادِ). ((نثر الورود)) (2/ 649). ، ومِمَّنِ اختارَه مِنَ الحَنَفيَّةِ: ابنُ الهُمامِ [51] يُنظَر: ((التحرير)) (ص: 524)، (التقرير والتحبير)) لابن أمير الحاج (3/ 294). ، ومِنَ المالِكيَّةِ: القَرافيُّ [52] يُنظَر: ((شرح تنقيح الفصول)) (ص: 437). ، وعَبدُ اللَّهِ الشِّنقيطيُّ [53] يُنظَر: ((نشر البنود)) (2/ 324). ، ومِنَ الشَّافِعيَّةِ: الرَّازيُّ [54] يُنظَر: ((المحصول)) (6/ 25). ، وابنُ السُّبكيِّ [55] يُنظَر: ((جمع الجوامع)) (ص: 119)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (4/ 576). ، ومِنَ الحَنابِلةِ: ابنُ قُدامةَ [56] يُنظَر: ((روضة الناظر)) (2/ 337). ، وابنُ تَيميَّةَ [57] يُنظَر: ((مجموع الفتاوى)) (20/ 204)، ((منهاج السنة النبوية)) (2/ 244). ، والطُّوفيُّ [58] يُنظَر: ((شرح مختصر الروضة)) (3/ 38). .
الأدِلَّةُ:
1- أنَّه لا يَمتَنِعُ وُجودُ أهليَّةِ الاجتِهادِ كامِلةً بالنِّسبةِ إلى بَعضِ المَسائِلِ دونَ بَعضٍ [59] يُنظَر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/ 38). .
2- أنَّه إذا لم يَتَجَزَّأْ لزِمَ أن يَكونَ عالِمًا بجَميعِ الجُزئيَّاتِ، وهو مُحالٌ. وقد سُئِلَ كُلٌّ مِنَ الأئِمَّةِ الأربَعةِ عن مَسائِلَ، فأجابَ بأنَّه لا يَدري [60] يُنظَر: ((الفوائد السنية)) للبرماوي (5/ 2232). .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (قد يَكونُ الرَّجُلُ قادِرًا على الاجتِهادِ والاستِدلالِ في مَسألةٍ أو نَوعٍ مِنَ العِلمِ دونَ الآخَرِ، وهذا حالُ أكثَرِ عُلَماءِ المُسلِمينَ، لكِن يَتَفاوتونَ في القوَّةِ والكَثرةِ؛ فالأئِمَّةُ المَشهورونَ أقدَرُ على الاجتِهادِ والاستِدلالِ في أكثَرِ مَسائِلِ الشَّرعِ مِن غَيرِهم، وأمَّا أن يُدَّعى أنَّ واحِدًا مِنهم قادِرٌ على أن يَعرِفَ حُكمَ اللهِ في كُلِّ مَسألةٍ مِنَ الدِّينِ بدَليلِها، فمَنِ ادَّعى هذا فقد ادَّعى ما لا عِلمَ له به، بَلِ ادَّعى ما يُعرَفُ أنَّه باطِلٌ) [61] ((منهاج السنة النبوية)) (2/ 245). .
وقيلَ: لا يَجوزُ تَجَزُّؤُ الاجتِهادِ [62] يُنظَر: ((المحصول)) للرازي (6/ 25)، ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (2/ 216). . وهو مَذهَبُ بَعضِ الحَنَفيَّةِ [63] يُنظَر: ((فصول البدائع)) للفناري (1/ 24)، ((بريقة محمودية)) للخادمي (3/ 50). ، واختارَه الشَّوكانيُّ [64] يُنظَر: ((إرشاد الفحول)) (2/ 217). .

انظر أيضا: