موسوعة أصول الفقه

المسألةُ الأولى: أن يكونَ المُكَلَّفُ بالِغًا


من شُروطِ التَّكليفِ البُلوغُ [636] يُنظر: ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 123)، ((الفقه الإسلامي)) لوهبة الزحيلي (6/ 4474)، ((المهذب)) لعبدالكريم النملة (1/ 323)، ((أصول الفقه)) لعياض السلمي (ص: 70). .
البُلوغُ لُغةً: الوُصولُ، يُقالُ: بَلَغَ الشَّيءُ يَبلُغُ بُلوغًا وبَلاغًا: وصَلَ وانتَهى. وتبَلَّغَ بالشَّيءِ: وصَلَ إلى مُرادِه. وبلَغَ الغُلامُ: احتَلَمَ، كأنَّه بَلَغَ وقتَ الكِتابِ عليه والتَّكليفِ [637] يُنظر: ((أساس البلاغة)) للزمخشري (1/75)، ((لسان العرب)) لابن منظور (8/419). .
وشَرعًا: انتِهاءُ حَدِّ الصِّغَرِ في الإنسانِ ليَحكُمَ عليه الشَّارِعُ بالتَّكاليفِ الشَّرعيَّةِ [638] يُنظر: ((معجم غريب الفقه والأصول)) لمحمد الحفناوي (ص: 115). .
والبُلوغُ لَه عَلاماتٌ يُعرَفُ بها، وهي:
1- خُروج المَنيِّ في اليَقَظةِ أوِ المَنامِ عَلامةٌ مِن عَلاماتِ البُلوغِ بالإجماعِ [639] قال ابنُ المُنذِرِ: (وأجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ الفرائِضَ والأحكامَ تَجِبُ على المُحتَلِمِ العاقِلِ). ((الإشراف)) (7/227). وقال ابنُ قُدامةَ: (أمَّا الثَّلاثةُ المُشتَرَكةُ بينَ الذَّكرِ والأُنثى، فأوَّلُها خُروجُ المَنيِّ مِن قُبُلِه، وهو الماءُ الدَّافِقُ الذي يُخلَقُ مِنه الولَدُ، فكيفما خَرَجَ في يَقَظةٍ أو مَنامٍ، بجِماعٍ أوِ احتِلامٍ أو غيرِ ذلك، حَصَلَ به البُلوغُ، لا نَعلَمُ في ذلك اختِلافًا). ((المغني)) (4/345). .
2- استِكمالُ خَمسَ عَشرةَ سَنةً [640] وهو مذهبُ الشَّافعيَّةِ والحنابِلةِ. يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/166)، ((الإنصاف)) للمرداوي (5/237). .
عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَرَضَه يَومَ أُحُدٍ، وهو ابنُ أربَعَ عَشرةَ سَنةً، قال: فلَم يُجِزْني، ثُمَّ عَرَضَني يَومَ الخَندَقِ، وأنا ابنُ خَمسَ عَشرةَ سَنةً، فأجازني) [641] رواه البخاري (2664)، ومسلم (1868). .
وأيضًا فالاحتِلامُ جُعِلَ حَدًّا في الشَّرعِ لكونِه دَليلًا على كمالِ العَقلِ، والاحتِلامُ لا يَتَأخَّرُ عن خَمسَ عَشرةَ سَنةً عادةً، فإذا لَم يَحتَلِمْ إلى هذه المُدَّةِ، عُلِمَ أنَّ ذلك لآفةٍ في خِلقَتِه، والآفةُ في الخِلقةِ لا توجِبُ آفةً في العَقلِ، فكان العَقلُ قائِمًا بلا آفةٍ؛ فوجَبَ اعتِبارُه في لُزومِ الأحكامِ [642] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/172). .
3- الإنباتُ علامةٌ على البُلوغِ [643] وهو مذهبُ المالكيَّةِ والحنابِلةِ. يُنظر: ((الكافي)) لابن عبد البر (1/331)، ((الإنصاف)) للمرداوي (5/237). .
عن عَطيَّةَ القُرَظيِّ، قال: (كُنتُ مِن سَبيِ بَني قُريظةَ، فكانوا يَنظُرونَ؛ فمَن أنبَتَ الشَّعرَ قُتِلَ، ومَن لَم يُنبِتْ لَم يُقتَلْ، فكُنتُ فيمَن لَم يُنبِتْ) [644] أخرجه أبو داود (4404) واللفظ له، والترمذي (1584)، وابن ماجه (2541). صحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (4780)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/671)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4404). .
ولأنَّ الإنباتَ مَعنًى يَعرِضُ عِندَ البُلوغِ؛ فيُحكمُ به كخُروجِ المَنيِّ [645] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (8/238). .
4- الحيضُ للمَرأةِ، فإذا حاضَتِ المَرأةُ فقَد بَلَغَت ووجَبَت عليها الفرائِضُ، والإجماعُ على ذلك [646] قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعوا على أنَّ المَرأةَ إذا حاضَت وجَبَت عليها الفرائِضُ). ((الإجماع)) (ص: 42). وقال ابنُ قُدامةَ: (أمَّا الحيضُ فهو عَلَمٌ على البُلوغِ، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا). ((المغني)) (4/346). .
5- الحَملُ للمَرأةِ باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ [647] يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (6/153)، ((الكافي)) لابن عبد البر (1/331)، ((روضة الطالبين)) للنووي (4/179)، ((الإنصاف)) للمرداوي (5/238). ؛ لأنَّ الحَبَلَ دَليلٌ على الإنزالِ؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى أجرى العادةَ أنَّ الولَدَ إنَّما يُخلَقُ مِن ماءِ الرَّجُلِ وماءِ المَرأةِ [648] يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (4/179)، ((الشرح الكبير)) لابن قدامة (4/514). .
الأدِلَّةُ على كونِ البُلوغِ شَرطًا للتَّكليفِ:
1- حَديثُ: ((رُفِعَ القَلَمُ عن ثَلاثةٍ))، وذَكرَ مِنهم: ((الصَّغيرُ حَتَّى يَبلُغَ)) [649] لَفظُه: عن عَليِّ بنِ أبي طالبٍ: لَقَد عَلِمتُ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القَلَمُ عن ثَلاثةٍ: عنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَبلُغَ، وعنِ النَّائِمِ حَتَّى يَستيقِظَ، وعنِ المَعتوهِ حَتَّى يَبرَأَ)). أخرجه أبو داود (4402) واللفظ له، وأحمد (1328) بنحوه. صحَّحه ابن حزم في ((المحلى)) (9/206)، والنووي في ((المجموع)) (6/253)، والسخاوي في ((الأجوبة المرضية)) (2/767)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4402)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4402). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه ((رُفِعَ القَلَمُ)) مَعناه امتِناعُ التَّكليفِ لا أنَّه رُفِعَ بَعدَ وَضعِه [650] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (6/ 253). .
2- الإجماعُ، وممَّن حكاه: الزَّركَشيُّ [651] قال الزَّركَشيُّ: (... الأُمَّةُ أجمَعَت على أنَّ شَرطَ التَّكليفِ العَقلُ والبُلوغُ). ((تشنيف المسامع)) (1/138). .
3- أنَّ البُلوغَ لمَّا كان مَظِنَّةَ كَمالِ العَقلِ عَلَّقَ الشَّارِعُ الأمرَ عليه [652] يُنظر: ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (2/ 412). . وإن كان قَد يَكمُلُ بحيثُ يَصلُحُ أن يَكونَ مَناطًا للتَّكليفِ قَبلَه، لَكِن قَد عُلمَ مِن عادةِ الشَّرعِ أنَّه يُعَلَّقُ الحُكمُ على مَظانِّ الحُكمِ لا على الحُكمِ نَفسِه [653] يُنظر: ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (3/ 1124). .

انظر أيضا: