موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الثَّانيةُ: أن يَكونَ المُكلَّفُ عاقِلًا فاهمًا لخِطابِ التَّكليفِ


العَقلُ لُغةً: مَصدَرُ (عَقَلَ)، وهو أصلٌ مَعناه المَنعُ، ومِنه العِقالُ للبَعيرِ؛ سُمِّيَ به لأنَّه يَمنَعُ عَمَّا لا يَليقُ، وجَمعُه عُقولٌ، عَقَلَ يَعقِلُ عَقلًا ومَعقولًا، وعَقَلَ فهو عاقِلٌ [654] يُنظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (1/158)، ((لسان العرب)) لابن منظور (11/458). .
واصطِلاحًا: قيلَ: هو آلةُ التَّمييزِ والإدراكِ [655] يُنظر: ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/ 80). ،ورُويَ عنِ الشَّافِعيِّ أنَّه قال: هو آلةٌ خَلَقَها اللهُ لعِبادِه، يُميِّزُ بها بينَ الأشياءِ وأضدادِها [656] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (1/84). .
والفهمُ هو: جَودةُ الذِّهنِ مِن جِهةِ تَهيِئَتِه لاقتِناصِ كُلِّ ما يَرِدُ عليه مِنَ المَطالِبِ [657] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (1/ 6). .
وفَهمُ المُكلَّفِ يَعني أن يَتَصَوَّرَ ما كُلِّف به، بأن يَفهَمَ مِنَ الخِطابِ القَدرَ الذي يَتَوقَّفُ عليه الامتِثالُ [658] يُنظر: ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (1/ 36). .
فمَن لا يَعقِلُ الخِطابَ ولا يَفهَمُه لا يُمكِنُ أن يُخاطَبَ، وخِطابُه عَبَثٌ وسَفَهٌ، يَتَنَزَّه اللهُ عنه [659] يُنظر: ((أصول الفقه)) لعياض السلمي (ص: 71). ، لذا (مِن شُروطِ المُكلَّفِ: العَقلُ، وفَهمُ الخِطابِ. فلا تَكليفَ على صَبيٍّ ولا مَجنونٍ؛ لعَدَمِ المُصَحِّحِ للامتِثالِ مِنهما، وهو قَصدُ الطَّاعةِ.. بفِعلِ المَأمورِ وتَركِ المَنهيِّ تَحقيقًا لامتِحانِ المُكلَّفِ، كما قال اللهُ سُبحانَه وتعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود: 7] ) [660] ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/ 180). .
وأيضًا لأنَّ الأمرَ بالشَّيءِ يَتَضَمَّنُ إعلامَ المَأمورِ بأنَّ الآمِرَ طالِبٌ للمَأمورِ به مِنه، وإعلامُ مَن لا عَقلَ لَه ولا فهمَ مُتَناقِضٌ؛ إذ يَصيرُ التَّقديرُ: يا مَن لا فَهمَ لَه افهَمِ الخِطابَ، ويا مَن لا عَقلَ لَه اعقِلِ المَأمورَ به [661] ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (3/ 1118). .
ومِمَّن حَكى الإجماعَ على اشتِراطِ العَقلِ والفَهمِ في المُكلَّفِ: الآمِديُّ [662] قال الآمِديُّ: (اتَّفقَ العُقَلاءُ على أنَّ شَرطَ المُكلَّفِ أن يَكونَ عاقِلًا فاهمًا للتَّكليفِ؛ لأنَّ التَّكليفَ وخِطابَ مَن لا عَقلَ لَه ولا فَهمَ: مُحالٌ، كالجَمادِ والبَهيمةِ) ((الإحكام)) (1/ 150). ، وصَفيُّ الدّينِ الهِنديُّ [663] قال الهِنديُّ: (اتَّفقَ الكُلُّ حَتَّى القائِلونَ بجَوازِ تَكليفِ ما لا يُطاقُ، على أنَّه يُشتَرَطُ في المَأمورِ أن يَكونَ عاقِلًا يَفهَمُ الخِطابَ، أو مُتَمَكِّنًا مَن فهمِه؛ لأنَّ الأمرَ بالشَّيءِ يَتَضَمَّنُ إعلامَ المَأمورِ بأنَّ الآمِرَ طالبٌ للمَأمورِ به مِنه، سَواءٌ كان حُصولُه مِنه مُمكِنًا أو لا يَكونُ، كما في تَكليفِ ما لا يُطاقُ. وإعلامُ مَن لا عَقلَ لَه ولا فَهمَ: مُتَناقِضٌ). ((نهاية الوصول)) (3/1118). لَكِن قال الشَّوكانيُّ: (ولَم يُخالِفْ في ذلك إلَّا بَعضُ مَن قال بتَكليفِ ما لا يُطاقُ). ((إرشاد الفحول)) (1/ 37). .

انظر أيضا: